و لم أجد أحدا من أهل العلم ممن نص على التقوية بالمتابعة يذكر أن التقوية تكون بحديث مجهول العين، و إنما خصوا ذلك- فيما يتعلق بالجهالة- بحديث مجهول الحال و المستور، وهو ظاهر مما تقدم نقله عن الحافظ ابن حجر- رحمه الله- ومن قبله ابن الصلاح.
و قد نقل غير واحد من أهل العلم الاتفاق على رد رواية مجهول العين إلا ما كان من احتجاج أبي حنيفة برواية بعضهم من التابعين.
و لذا قال الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث (ص92):
"أما المبهم الذي لم يسم، أو من سمي و لا تعرف عينه، فهذا مما لا يقبله أحد علمناه، ولكنه إذا كان في عصر التابعين و القرون المشهود لهم بالخير، فإنه يستأنس بروايته، ويستضاء بها في مواطن".
قلت (الكلام للشيخ عمرو): بل الراجح ترك الاحتجاج برواية هذا الصنف مطلقا، وترك التعضيد له أو به.
مثال ذلك:
ما أخرجه أحمد (3/ 478 و444) و أبو داود (362) والنسائي (2/ 214) وابن ماجه (1429) من طريق: تميم بن محمود عن عبد الرحمن بن شبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم ينهى عن نقرة الغراب و افتراش الشبع (الصواب السبع ولعله خطأ مطبعي)، و أن يوطن الرجل المكان كما يوطن البعير.
و له شاهد من حديث عثمان البتي، عن عبد الحميد بن سلمة،عن أبيه مرفوعا بنحوه.
أخرجه أحمد (5/ 446 - 447)
و هذا الحديث قد حسنه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة (1168) بمجموع الطريقين.
وبدراسة الطريقين نجد:
أن في الطريق الأول: تميم بن محمود، وقد قال فيه البخاري " في حديثه نظر"، وضعفه العقيلي والدولابي وابن الجارود، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه.
و في الطريق الثاني: عبد الحميد بن سلمة و أبوه، قال فيهما الدارقطني: لا يعرفان
و قال الشيخ الألباني – رجمه الله-: "عبد الحميد هذا مجهول كما في التقريب".
قلت (الكلام للشيخ عمرو): قد تفرد بالرواية عنه عثمان البتي، وليس له عنه راو غيره، فالجهالة هنا تنصرف إلى جهالة العين، لا سيما و أنه قد اختلف عليه في هذا السند كما في ترجمته من "التهذيب".
فإذا تقرر ذلك فلا يصح تقوية حديثه بالطريق الأول، إذ لو أننا سلمنا بأن الضعف في الطريق الأول ضعف محتمل، فالطريق الثاني قد تفرد به مجهول عين، ومن ثم فلا يقوى به.
ـ[أبو عبد الباري]ــــــــ[28 - 09 - 05, 02:33 م]ـ
جزاك الله خير الجزاء على هذا النقل وأتمنى نقل كلامه الذي أشار إليه الشيخ من أن جهالة العين من نوع الضعف الشديد حتى نستفيد من النقول التي اعتمد عليها.
وأما عمدته في عدم تقوية حديث مجهول العين فلعلها تضعف بما تقدم نقله عن الأئمة ولعل الشيخ إذا بلغتموه هذه النقول يفيدنا بوجه الرد عليها ونكون قد استفدناز
أخوك/ أبو عبد الباري
ـ[عبد الرحيم الجزائري]ــــــــ[29 - 09 - 05, 03:02 م]ـ
بارك الله فيك يا أبا عبد الباري على ما قدمت فقد أجدت و أفدت. وقد اقتنعت بما أوردت .... و سأنقل كلام الشيخ عمرو قريبا إن شاء الله ... لكن أردت أن أعرف فقط مذهب الإمام الألباني في هذه المسألة حيث قال بعض الإخوة إنه يعتبر جهالة العين من حالات الضعف الشديد؟
ـ[أبو عبد الباري]ــــــــ[29 - 09 - 05, 04:35 م]ـ
وجزيت خيرا، أما الشيخ الإمام الألباني فمذهبه تقوية حديث مجهول العين ولو كان في السند أكثر من مجهول عين بمعنى ولو تعددت أوجه الضعف في السند الواحد ما لم تكن كل واحدة شديدة الضعف على حدة، وقد سبق بحث هذه الجزئية في هذا الملتقى المبارك وهو على هذا الرابط:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=27059
أخوك/ أبو عبد الباري
ـ[عبد الرحيم الجزائري]ــــــــ[30 - 09 - 05, 06:51 م]ـ
حمدا لله، و صلاة وسلاما على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فنزولا عند رغبة أخينا في الله أبي عبد الباري – حفظه الله- و إتماما للفائدة، ها أنذا أتمم ما سبق نقله عن الشيخ عمرو – سلمه الله- بكلامه في حكم رواية مجهول العين وأسباب الضعف الشديد و المحتمل، ثم أذكر بملخص لأدلته في هذا الباب.
قال الشيخ -سلمه الله- في كتابه الآنف الذكر (ص55) بعد أن عرف جهالة العين وذكر أمثلة لها:
((حكم رواية مجهول العين:
¥