(33) تقدمة الجرح والتعديل (355).
(34) تاريخ دمشق (32/ 421) سير أعلام النبلاء (8/ 403)
(35) تاريخ بغداد (14/ 180).
(36) مقدمة الكامل لابن عدي (1/ 228_ ط الباز) تاريخ بغداد (10/ 332) الإرشاد للخليلي (2/ 681).
(37) تاريخ بغداد (2/ 18).
(38) تدريب الراوي (1/ 250).
(39) النكت لابن حجر (2/ 847).
(40) النكت لابن حجر (2/ 847).
(41) تنزيه الشريعة (1/ 7_8).
ـ[هشام الحلاّف]ــــــــ[24 - 09 - 05, 02:23 ص]ـ
وبهذه الخصائص التي خص الله بها هذه الطائفة من المحدثين _ والتي أشرت لك إلى بعضها _ استطاعوا أن يعرفوا دقائق علل الحديث، وخفي خلله، ومواضع زَلَلِه، بحيث أبهرت العقول قدراتهم، وحيرت الأذهان إمكانياتهم، وأدهشت النفوس دقتهم، حتى اُشتُهِر أن علمهم كهانة، وأن فنهم من فنون السحر! لا من فنون العلم.
وإذا أردت أن أقرب لك هذا المعنى، وأبين لك إلى أين وصلوا في العلم بالمحل الأسمى، فاقرأ معي هاتين القصتين، واجعل عينيك فيهما بصيرتين، فستدرك ما قلته لك من دون تعب ولا مين.
قال الرامهرمزي: أخبرني أبي أن القاسم بن نصر المخرمي حدثهم قال: سمعت علي بن المديني يقول: (قدمت الكوفة فعنيت بحديث الأعمش فجمعته، فلما قدمت البصرة لقيت عبد الرحمن فسلمت عليه، فقال: هات يا علي ما عندك.
فقلت: ما أحد يفيدني عن الأعمش شيئاً!
قال: فغضب، فقال: هذا كلام أهل العلم؟! ومن يضبط العلم؟! ومن يحيط به؟! مثلك يتكلم بهذا؟!
معك شيء تكتب فيه؟ قلت: نعم. قال: أكتب. قلت: ذاكرني فلعله عندي.
قال: اكتب، لست أملي عليك إلا ما ليس عندك!
قال: فأملى علي ثلاثين حديثاً لم أسمع منها حديثاً!!!
ثم قال: لا تعد، قلت: لا أعود) (42).
وقال المقدمي: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن المديني يقول: (قيل لنا إن جماعة من أصحابنا الكوفيين يقدمون، فأتاني سليمان الشاذكوني يوماً في الصيف قبل نصف النهار في يوم صائف فدق عليّ الباب، فخرجت إليه فقلت له: في هذا الوقت يا أبا أيوب؟!، فقال: نعم، امض بنا إلى عبدالرحمن بن مهدي فإن أصحابنا هؤلاء الكوفيين قادمين علينا، والساعة يلقون علينا ما ( .. ) نعده للمذاكرة، فامض حتى نذهب إلى عبدالرحمن فنسأله أن يحدثنا بما نرى أنه ليس عندهم، وبما نغرب به عليهم، قال: فأتيناه فدققنا عليه الباب فخرج علينا في ملحفة حمراء يمسح عينيه من النوم، فقال: في هذا الوقت!، فأخبرناه بما قصدنا له، فقال: اكتبوا، فأملى علينا منها مائة حديث، فنظرت أنا وسليمان فإذا ليس عندنا منها خمسة أحاديث!، والباقي كلها نستفيدها!!
ثم قام، فقال: الساعة تفوتنا الظهر، فلما جزنا باب عبدالرحمن، قال لي سليمان: لعن الله مهدياً!، فقلت: من مهدي؟، قال: أبو هذا الشيطان!، كما خرج هذا من صلبه، ترى أنه لو كان قد نظر في كتبنا زاد على هذا!!) (43).
ومما أنبه له (مع أنه مما لا يُحتاج فيه إلى تنبيه لوضوحه) أنني لا أدعي الكمال في حفظهم، ولا العصمة في علمهم، بحيث لا يجوز على (الواحد) منهم الخطأ والنسيان، أو الوهم والسهيان، فهذا ما طُبع عليه بنو الإنسان.
قال الذهبي في السير (11/ 82): (ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل، لكن هم أكثر الناس صوابا، وأندرهم خطأ، وأشدهم إنصافا، وأبعدهم عن التحامل.
وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح فتمسك به، واعضض عليه بناجذيك، ولا تتجاوزه فتندم، ومن شذ منهم فلا عبرة به، فخل عنك العناء، وأعط القوس باريها، فوالله لولا الحفاظ الأكابر لخطبت الزنادقة على المنابر، ولئن خطب خاطب من أهل البدع فإنما هو بسيف الإسلام وبلسان الشريعة وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فنعوذ بالله من الخذلان).
وإنما ينبغي لمن اشتغل بالحديث أن يعلم أنه بسبب هذه الخصائص التي خص الله بها هذه الطائفة من المحدثين (من وجودهم في زمن الرواية والتحديث، وسعة حفظهم وقوة ضبطهم، إضافة إلى جلدهم في طلب العلم، وسمو همتهم) = أن ذلك كله قد أمكنهم من الإطلاع على دقائق العلل، وخفي الخلل الذي يقع في الأسانيد مما لا يمكن معه للمتأخر أن يطلع عليها، وعلمت حينئذ أنه لا بد من أخذ كلامهم في هذا العلم والتسليم لهم بذلك فيه:
¥