تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولهذا نص غير واحد من أهل العلم على أن خفي التعليل إنما هو للأئمة المتقدمين.

قال العلائي: (فبهذه النكتة يتبين أن التعليل أمر خفي لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث، دون من لا اطلاع له على طرقه وخفاياها) (44).

وقال المنذري في مقدمة كتابه الترغيب والترهيب: (وأما دقائق العلل فلا مطمع في شيء منها لغير الجهابذة النقاد، أئمة هذا الشأن).

وقال السيوطي في كتابه التنقيح لمسألة التصحيح: (لا بد من فقد الشذوذ ونفي العلة، والوقوف على ذلك الآن متعسر، بل متعذر، لأن الإطلاع على العلل الخفية إنما كان للأئمة المتقدمين، لقرب أعصارهم من عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الواحد منهم من تكون شيوخه التابعين وأتباع التابعين أو الطبقة الرابعة، فكان الوقوف على العلل إذ ذاك متيسراً للحافظ العارف).

ولهذا إذا وجدت إماماً من أئمة الحديث المتقدمين أعل حديثاً بعلة (خفية) لم يظهر لك وجهها، ولم يستبن لك أمرها، فاقبل كلامه، وسلم الأمر له، كما قبلت قوله وحده في الجرح وإن لم يفسر، بل لو صح لك ظاهر السند الذي أعله، فاعلم أنه لا يصح لك مخالفته، لأن رد كلامهم بقواعد هم أصحابها، ومخالفة عملهم بقواعد هم واضعوها (ولم تفهم على وجهها) ليس من العلم في شيء!

إلا إذا أعل المتقدم حديثاً وبيّن السبب، وَوُجِد أن السبب الذي به أعل الحديث يمكن زواله، فهذا مما للمتأخر فيه سبيل، مع أنه ينبغي التمهل في مخالفتهم، وعدم العجلة في

معارضتهم، فعليك بفهم كلامهم على وجهه، و إلا فهمت خطأ وخالفت غلطاًَ.

وينبغي أن يراعى هذا الأمر خاصة فيما اتفقوا عليه، فإنهم إذا اتفقوا على شيء فهو الحق الذي لا يصح العدول عنه، والصواب الذي لا محيد عنه.

قال أبوحاتم الرازي: (الزهري لم يسمع من أبان بن عثمان شيئاً، لا أنه لم يدركه، قد أدركه، وأدرك من هو أكبر منه، ولكن لا يثبت له السماع منه، كما أن حبيب بن أبي ثابت لا يثبت له السماع من عروة بن الزبير، وهو قد سمع ممن هو أكبر منه.

غير أن أهل الحديث اتفقوا على ذلك، واتفاق أهل الحديث على شيء يكون حجة).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (المرجع في النقل إلى أمناء حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أن المرجع في النحو إلى أربابه، وفي القراءات إلى حذاقها، وفي اللغة إلى أئمتها، وفي الطب إلى علمائه، فلكل فن رجال، وعلماء الحديث أجل وأعظم تحرياً للصدق من كل أحد، علم ذلك من علمه.

فما اتفقوا على صحته فهو الحق، وما أجمعوا على تزييفه وتوهينه فهو ساقط، وما اختلفوا فيه نُظر فيه بإنصاف وعدل، فهم العمدة كمالك وشعبة و ... وأمثالهم من أهل العلم بالنقل والرجال والجرح والتعديل) (45).

وقال ابن القيم: (الاعتبار في الإجماع في كل أمر من الأمور الدينية بأهل العلم به دون غيرهم، كما لم يعتبر في الإجماع على الأحكام الشرعية إلا العلماء بها دون المتكلمين والنحاة والأطباء = كذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله، وهم علماء أهل الحديث العالمون بأحوال نبيهم، الضابطون لأقواله وأفعاله، المعتنون بها أشد من عناية المقلدين بأقوال متبوعيهم) (46).


(42) المحدث الفاصل (251) وعنه الخطيب في تاريخ بغداد (10/ 245).
وللقصة سياق آخر في كتاب التاريخ وأسماء المحدثين وكناهم للمقدمي (203).
(43) التاريخ وأسماء المحدثين وكناهم للمقدمي (207) وما بين القوسين ليس بواضح في المخطوط كما قال المحقق.
(44) النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 782).
(45) منهاج السنة (4/ 10).
(46) مختصر الصواعق المرسلة (537).

يتبع بإذن الله

ـ[هشام الحلاّف]ــــــــ[29 - 09 - 05, 01:16 م]ـ
ولما كان (غالب) كلام أئمة الحديث المتقدمين في علم الحديث إنما هو في جانب التطبيق العملي لا في التقعيد النظري، ولما كان أكثره على سبيل الإشارة والإيجاز أيضاً، مع صعوبة هذا العلم _أصلاً_ ودقة مسائله، إذ ليس له قواعد مطردة دائماً، ولا ضوابط مستمرة أبداً = فقد خفي على كثير ممن أتى بعدهم فهم كلامهم ومعرفة طريقتهم في هذا العلم (47).
ولهذا ظهر في آخر القرن الرابع الهجري كتب علوم الحديث (المفردة)، التي تبين طريقتهم، وتشرح مصطلحاتهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير