_ وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: (وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أعلوه بأن غير ابن فضيل من الثقات قد رووه عن الأعمش عن مجاهد مرسلاً. وهذه ليست علة قادحة، لاحتمال أن يكون للأعمش فيه إسنادان: أحدهما عن أبي صالح عن أبي هريرة، والآخر عنه عن مجاهد مرسلاً. ومثل هذا كثير في أحاديث الثقات، فمثله لا يرد به الحديث، لا سيما وكل ما فيه قد جاء في الأحاديث الصحيحة، فليس فيه ما يستنكر، والله أعلم. وقد بسط القول في رد هذه العلة المحقق العلامة أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (1/ 284_285) فأجاد، فمن شاء البسط فليرجع إليه) (59).
ولولا أن هذه الأخطاء التي وقعت منهم إنما هي أخطاء تدل على وجود خلل في المنهج وليست أخطاء تطبيقية يتساهل فيها ويتغاضى عنها لما أشرنا إليها وأفردنا الكلام عنها.
على أنني أنبه مرة أخرى إلى أن ذكر بعض هذه الأخطاء عنهم لا يعني أنهم أخطأوا في كل ما قرروه، أولم يصيبوا في كل ما كتبوه، بل أصابوا الحق في كثير مما قرروه لما طبقوا المنهج الحق، وهو ما ندعوا إليه ..
ولا يعني هذا أيضاً التحقير من شأنهم، ولا التقليل من علمهم، أو ترك كتبهم وعدم الإفادة من علمهم، فلا يقول هذا عاقل فضلاً عن طالب علم، بل يستفاد مما كتبوه، ويدرس ما ألفوه، ويتجنب فيه ما أخطأوا فيه _ ومن ذا الذي لا يخطئ؟! _.
ومع زيادة هذا الخلل المنهجي واتساعه، وغياب المنهج الصحيح لفهم منهج أهل الحديث عند (بعض) المحدثين المتأخرين، فقد ظهر في هذا العصر دعوات مباركة تدعوا إلى:
1_ إنزال الناس منازلهم، ببيان من الذين يحتج بكلامهم ويستدل بعملهم ومن الذين لا يحتج به وإنما يحتج له، فالأئمة المتقدمون هم الذين يرجع في هذا العلم إليهم، فيهتم بمعرفة طريقتهم، ويعتنى ببيان مصطلحاتهم.
ووظيفة المتأخرين إنما هي شرح طريقة المتقدمين وتوضيح مصطلحاتهم وتطبيق منهجهم.
وقد يقال: أو ليس المتأخرون قد قاموا بما يكفي ببيان منهجهم وشرح مصطلحاتهم؟
فيقال: نعم قاموا بذلك، لكن حصل من (بعضهم) خطأٌ في بيان منهجهم، وتحكم أحياناً في شرح مصطلحهم بما كنا بيناه سابقاً، فنحتاج حينئذ لمعرفتنا الصواب فيما أخطأوا فيه أن نعرف من هم الذين نرجع إليهم لنعرف منهج أهل الحديث من خلالهم، ولاشك أنهم أئمة الحديث المتقدمين.
ثم إذا حصل خلاف بين المتأخرين في فهم أحد المصطلحات أو في تقرير قاعدة حديثية، فهل نرجح أحد القولين لأن قائله هو المتأخر فهو أكثر اطلاعاً وعلماً؟، أو نرجح أحدهما لأن صاحبه أعلم _ عند المُرَجِّح _ من الآخر؟ أو لأن صاحب أحد القولين هو خاتمة المحدثين ففهمه يقدم على فهم غيره؟، ولا شك في فساد الترجيح بمثل هذا المرجح، وإنما نرجح أي القولين أقرب للصواب في فهم منهج المحدثين المتقدمين بأدلته.
2_ بيان المنهج الصحيح والطريقة الصواب في كيفية فهم منهج أهل الحديث المتقدمين.
ولاشك أن طريقة معرفة منهج أهل الحديث المتقدمين إما من خلال صريح نقولهم أو باستقراء تصرفاتهم وأفعالهم، فمتى ما أردنا أن نعرف صحة كلام المتأخرين، أو معرفة الدليل لما قالوا، أو نعرف منهج أهل الحديث فيما لم يتكلموا فيه، أو تكلموا فيه واختصروا، فالطريقة هي استقراء نصوص المتقدمين وأحكامهم، ومن خلالها نعرف منهجهم (60)، ولا يخفاك أن الدعوة السلفية تريد من أبنائها العمل بالحق مع معرفة الدليل على أنه هو الحق.
فليس كلام المتأخرين أو فهمهم هو الحجة والدليل، وإنما كلامهم يحتج له لا به، ويستدل له لا به، ومن لم يكن عنده قدرة على معرفة الدليل وفهمه فله أن يقلدهم.
قال ابن رجب: (وكذا الكلام في العلل و التواريخ قد دونه أئمة الحفاظ، وقد هجر في هذا الزمان ودرس حفظه وفهمه، فلولا التصانيف المتقدمة فيه لما عُرف هذا العلم اليوم بالكلية، ففي التصانيف فيه ونقل كلام الأئمة المتقدمين مصلحة عظيمة جدا، وقد كان السلف الصالح مع سعة حفظهم وكثرة الحفظ في زمانهم يأمرون بالكتابة للحفظ، فكيف بزماننا هذا الذي هجرت فيه علوم سلف الأمة وأئمتها ولم يبق منها إلا ما كان منها مدونا في الكتب لتشاغل أهل الزمان بمدارسة الآراء المتأخرة و حفظها).
¥