قال السقاف (ص:43):"وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وأقره المنذري في"الترغيب" وكل ذلك من إهمال التحقيق والاستسلام للتقليد, وإلا فكيف يمكن للمحقق أن يصحح مثل هذا الإسناد".
قلت: وتتمة الكلام:"ومحمد بن الفرات ضعيف بالاتفاق بل هو واه جدا, قال أبو بكر بن أبي شيبة: ومحمد بن عبد الله بن عمار كذاب. وقال البخاري: منكر الحديث رماه أحمد بالكذب …الذهبي نفسه أورده في "الميزان" من أجل هذه النصوص وساق له هذا الحديث …".
فهل في بيان الشيخ هذا ما يعيب هذا الإمام أو غيره ممن سود السقاف صفحات كتابه بأسمائهم ملبسا على الأغرار من قرائه أم أن إنصاف العلم والتنبيه لكل من لا يتنبه على مثل هذه الفوائد.
الوقفة الثالثة:
قال (ص:44):" فأنت ترى أن ابن القطان تناقض في ابن عمر هذا فمرة يحسن حديثه ومرة يضعفه".
قلت: واضطراب ابن القطان واضح لا يحتاج إلى تدليل, ووجه التحريف من السقاف اتهامه للشيخ بأنه يرمي ابن القطان بالتناقض مطلقا كما هو عنوان كلامه في الموضع المشار إليه.
وحقيقة الأمر أن الشيخ بين اضطرابه في محمد ابن عمر فقط, بدليل قوله:"فأنت ترى أن ابن القطان تناقض في ابن عمر هذا…" وبهذا يظهر تلاعب السقاف ومكره.
وتمام كلام الشيخ للفائدة:" وهذا الذي يميل إليه القلب لجهالته, لا سيما وحديثه هذا مخالف بظاهره لحديث صحيح ولفظه:" ل تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم"".
الوقفة الرابعة:
قال صاحب"التناقضات":" الألباني يطعن صراحة في المحدث المناوي فيصفه بالتناقض, مع أن هذا هو وصفه هو لا غير فقال في"ضعيفته" (2\ 345): بل هو من تعصب المناوي…"أ. ه".
قلت: لقد بتر السقاف أول الكلام وآخره كعادته ليظهر الكلام بأبشع صوره ليحصل له مقصوده من زيادة إيغار قلوب المهوشين أمثاله على الشيخ كفاه الله شر حساده, وأصل كلام الشيخ حفظه الله:" وبذلك يتبين أن لا وجه لذلك التعقب على السيوطي بل هو من تعصب المناوي عليه عفا الله عنا وعنهم".
الوقفة الخامسة:
وبتر كلام الشيخ (ص:89) وتصرف في الألفاظ ليصل إلى مأرب في نفسه يدل عليه ما سوده في كتابه فقال:" ضعف الألباني الفضيل بن سليمان في "إرواء غليله" (3
207) لأنه في سند حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر فقال هناك ما نصه:" وهو إن احتج به الشيخان فقد قال الحافظ في "التقريب" صدوق له أوهام"".
قلت: ونص كلام الشيخ حفظه الله وأمتع بعلمه: "وكأن البيهقي يشير إلى ترجيح هذا المرسل وهو الظاهر، فإن الذي وصله هو الفضيل بن سليمان لا يحتج بمخالفته لمن هو أوثق منه، وهو وإن احتج به الشيخان فقد قال الحافظ في "التقريب": صدوق له خطأ كثير، نعم رواه ابن حبان أيضاً في "صحيحه" عن جعفر بن محمد به موصولاً كما في "نصب الراية" (2/ 303) و "التلخيص" (165) ولم يذكرا مع الأسف الراوي عن جعفر فإن كان هو الفضيل هذا فقد عرفت حاله وإن كان غيره فالحديث به صحيح، والله أعلم".
فكما ترى قد بتر السقاف كل هذا وأغفل ما فيه من علم، وإنما فعل ذلك ليسوغ لنفسه القول بتناقض الشيخ إذ قال عنه في "الصحيحة" (3/ 215): "قلت: وإسناده جيد رجاله رجال البخاري وفي الفضيل كلا لا يضر".
قلت: فلم يفهم السقاف قول الشيخ: "فيه كلام لا يضر" كما أنه حذف الحكم على الإسناد في كتابه فأورد كلام الشيخ فيه بدون قوله: "إسناد جيد".
ومثل هذا سيأتي بيانه في موضعه ولا مانع من ذكر بيان لهذا اللفظ في هذا الموطن:
فقوله حفظه الله: "إسناده جيد" يشعر أن في رجال الإسناد من لم يكن قد ضبط ضبط الجهابذة الحفاظ لكنه غير مردود في هذا الموطن وهو بيان لقول الشيخ في الفضيل: "فيه كلام لا يضر" أي: في مثل هذا الموطن لعدم مخالفته من هو أوثق منه.
فإذا فهمت هذا وتدبرت كلام الشيخ الذي سردناه لك أيقنت أن التحريف والتلاعب يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً ولا يروج مثل هذا الإسلوب إلا على العامة وأشباههم.
الوقفة السادسة:
ومن عجائب تحريفات السقاف ما قاله (ص 133): "ومن عجائب صنيع الألباني في هذا الفن أنه قال عن عمرو بن واقد في "صحيحته" (5/ 605): "متروك عند البخاري وغيره ورمي بالكذب" وهو متناقض لأنه استشهد بحديثه قبل ذلك في "صحيحته" (4/ 618) بل صحيحه في "صحيح الترمذي"".
قلت: وكلامه فيه مغالطات من وجوه:
• الأولى: أن الشيخ لم يحتج بعمرو بن واقد، بل كل ما كان منه إيراده في معرض حديث إثبات صحية عمير بن سعد الأنصاري فقال: "إن للحديث طريقاً أخرى يرويه عمرو بن واقد …".
• الثانية: أن الشيخ أعقبه بقوله: "أخرجه الترمذي وابن عساكر، وقال الترمذي: حديث غريب وعمرو بن واقد يضعف".
• الثالثة: إن الشيخ قد تكلم في كتبه في أماكن عدة وعنه فما اختلف كلامه فيه وإليك بيان بعضها:
قال الشيخ في "الصحيحة" (4/ 224): "وقال الطيراني: لم يروه عن يونس إلا عمرو بن واقد، قلت: وهو متروك كما في "التقريب"".
وقال في "الصحيحة" (1/ 3/114): "فإن عمرو بن واقد متروك كما في "التقريب"".
وقال في "الضعيفة" (2/ 341): "وعمرو بن واقد متروك كما في "التقريب"".
• الرابعة: قد أحى السقاف في كلامه أن الشيخ قد صحح حديثه في "صحيح الترمذي" وهذا أمر لم يعرفه السقاف ولا غيره ولا رآه فكيف يرجم بالغيب؟! لا ندري.
حيث أن حكم الشيخ كان في الحديث جملة لا على إسناده فتدبر.
وكان الأولى أن يسكت السقاف عن مثل هذا وغيره ولا يورد نفسه الموارد، وهو دونها.
ولكنه الجهل والتطاول.
¥