تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أولاً: إن الإمام الشافعي لم يصرح بذلك التقسيم، وعندي أنه لم يلمح إليه أيضاً ولم يرضه، كما سأثبته لك من بعد. أما أنه ذكر خبر الواحد، أو كما يسميه هو بـ (خبر الخاصة) في كتابه (الرسالة)، لا بلفظه، ولا بمعناه.

أما أنه لم يذكره بلفظه، فهذا قد يظنه بعضهم أمراً هيناً. وليس بهين، كما سيأتي بيانه عند كلامنا عما جاء في (جماع العلم) للشافعي (25).

وأما أنه لم يذكره بمعناه، فهذا هو التالي:

وثانياً: أن افمام الشافعي لم يتفوه بما يذكره الأصوليون في تعريفهم للحديث المتواتر، بذكر شروطه المعلومة عندهم؛ فمن أين لمن نسب للشافعي ذلك التقسيم دليل نسبته إليه بعد ذلك؟!

إن كل ما حصل، هو أنهم نزلوا ألفاظاً أخرى للشافعي أطلقها على مايقابل (خبر الواحد) منزلة (المتواتر) عند الأصوليين. وهذا يكون له وجه، لو أن الشافعي بين من معاني تلك الألفاظ ما يوافق معنى (المتواتر) عند الأصوليين؛ لكن الشافعي لم يفعل ذلك! أما استنباط أنه أراد بتلك الألفاظ معنى (المتواتر) من ذكرها في مقابل (خبر الخاصة)، فلا وجه له، لما تقدم بيانه آنفاً.

وثالثاً: أما الألفاظ التي ذكرها الإمام الشافعي فيما يقابل (خبر الواحد)، فهي: (السنة المجتمع عليها)، و (خبر العامة عن العامة) (26). وما عبارتان بمعنى واحدٍ، يطلقهما الإمام الشافعي في مقابل (خبر الخاصة).

فهل يلزم من هذه الألفاظ أنها تعني (المتواتر) عند الأصوليين؟! هذه دعوى لا دليل عليها كما سبق.

ثم هذان اللفظان، بذاتهما، وبمعناهما اللغوي، يدلان على أن المراد منهما غير (المتواتر) عند الأصوليين. فإن معناهما هو: الأمر الذي أجمعت الأمة على نقله، مما لم يرد في كتاب الله، أمةً بعد أمة، لا يختلف في الإجماع به اثنان؛ مثل: أن صلاة الظهر أربع. وهذا أمر فوق (متواتر الأصوليين)، أو هو أعلى أنواعه عندهم. لأن من (المتواتر) ما قد يخفى على الخاصة، فضلاً عن العامة؛ يخفى العلم به، فضلاً عن العلم بتواتره. كما تجده في أمثلة (المتواتر) التي يذكرونها، وكما في كتب (الأحاديث المتواترة) (27).

والذي نخرج به من هذا، أن ما يقابل (خبر الآحاد) عند الشافعي، من تلك الألفاظ التي استخدمها فيما يقابله = ليس هو (المتواتر) عند الأصوليين بكل ما يحويه معناه عندهم. لأن ـ وانتبه لما بعد لأن ـ الذي يقابل (السنة المجتمع عليها) و (خبر العامة عن العامة) ليس هو (خبر الآحاد) وحده، بل هو (خبر الآحاد) وبعض من (المتواتر) أو (المتواتر) جله!!!

نعم .. ولا تعجل بالرد من قبل أن يقضى إليك بالحجة!

لكن بعد أن نثبت لك معاني تلك الألفاظ التي ذكرها الشافعي فيما يقابل (خبر الآحاد)، لا من دلالة الألفاظ نفسها (وهي كافية) كما سبق ذكره، بل من كلام الشافعي نفسه.

فقد بوب الإمام الشافعي في كتابه (جماع العلم) باباً بعنوان: (حكاية قول من رد خبر الخاصة)، قال فيه بعد مقدمةٍ يسيرة، حاكياً مناظرته في ذلك: ((قال ـ يعني الشافعي ـ: فكانت جملة قولهم أن قالوا: لا يسع أحادً من الحكام ولا من المفتين أن يفتي ولا يحكم إلا من جهة (الإحاطة) (28). و (الإحاطة): كل ما علم أنه حق في الظاهر والباطن، يشهد به على الله. وذلك: الكتاب، والسنة والمجتمع عليها، وكل ما اجتمع الناس ولم يتفرقوا فيه. فالحكم كله واحد، يلزمنا أن لا نقبل منهم إلا ما قلنا؛ مثل: أن الظهر أربع. لن ذلك لا ينازع فيه، ولا دافع له من المسلمين، ولا يسع احداً يشك فيه.

(قال الشافعي:) قلت له: لست أحسبه يخفى عليك، ولا على أحدٍ حضرك، أنه لا يوجد في علم الخاصة ما يوجد في علم العامة.

قال: وكيف؟

(قال الشافعي:) قلت: علم العامة على ما وصفت، لا تلقى أحداً من المسلمين إلا وجدت علمه عنده، ولا يرد أحد شيئاً على أحدٍ فيه، كما وصفت في جمل الفرائض وعدد الصلوات وما أشبهها ... )) (29).

فهذا ـ كما ترى كلام صريح، فسر به الإمام الشافعي المقصود من (السنة المجتمع عليها) و (خبر العامة) الذي يقابل (خبر الآحاد)؛ فإذا به ليس هو (المتواتر)، بل هو معنى قسيم لمعنى (المتواتر) عند الأصوليين!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير