تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ورابعًا: وهو الدليل الذي أرجأتُه لك، لأُبين لك فيه أن (السنة المجتمع عليها) أو (خبر العامة) لفظانبمعنى واحد (كما سبق)، ليس بمعنى (المتواتر)، بل هو معنى قسيمٌ لمعنى (المتواتر).

قال الإمام الشافعي في (جماع العلم) أيضاً: ((قلت: أفرأيت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأي شيءٍ تثبت؟

قال: أقول القول الأول الذي قاله لك صاحبنا.

فقلت له: ما هو؟

قال: زعم أنها تثبت من أحد ثلاثة وجوه.

قلت: فاذكر الأول منها؟

قال: (خبر العامة عن العامة).

قلت: أكقولكم الأول، مثل أن الظهر أربع؟

قال: نعم.

فقلت: هذا مما لا يخالك فيه أحد علمته. فما الوجه الثاني؟

قال: (تواتر الأخبار)

فقلت له: حدد لي (تواتر الأخبار) بأقل مما يثبت الخبر، واجعله له مثالاً، لنعلم ما يقول وتقول؟

قال: نعم، إذا وجدت هؤلاء النفر، للأربعة الذين جعلتهم مثالاً (30)، يروون، فتتفق رواياتهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم شيئاً أو أحل = استدللت على أنهم: بتباين بلدانهم، وأن كل واحدٍ منهم قبل العلم عن غير الذي قبله عنه صاحبه، وقبله عنه من أداه إلينا، ممن لم يقبل عن صاحبه = أن روايتهم إذا كانت هكذا تتفق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالغلط لا يمكن فيها ... )) (31).

إذن فهذا هو (المتواتر) بلفظه ومعناه عند الأصوليين، هو غير (خبر العامة) و (السنة المجتمع عليها)، كما ينص عليه هذا النقل!!!

وأيضاً فهذا يعني أن الإمام الشافعي عندما ترك لفظ (المتواتر) أثناء كلامه في كتابه (الرسالة) عن خبر الواحد، لم يكن تركه إياه لأنه لم يكن معروفاً بهذا اللفظ عنده، ولا لأنه استبدله بما يرادف معناه (فهذا ما أبطلناه الآن)؛ ولكن لأنه قسم لم يرض الإمام الشافعي تقسيم الخبار على اعتباره، كما في كلام خصمه الذي نقلناه هنا.

وإلا فلم هجر الإمام الشافعي هذا اللفظ ومعناه: (المتواتر)؟! ولم أغلفه تماماً في كتابه (الرسالة)؟!

وزيادة الاستدلال على ذلك، في التالي:

وخامساً: ومما يقطع بأن الإمام الشافعي لا يقول بقسم (المتواتر) قسماً من اقسام الأخبار، هو أنه كان يرد على الأصوليين شروطه التي اشترطوها له!!

فالإمام الشافعي لا يرى أن في شروط (المتواتر) المذكورة عند الأصوليين ما يفي باستحالة وقوع الغلط وباستحالة التواطؤ على الكذب، على أصولهم وعلى منهجهم في قبول الأخبار وردها.

وتنبه هنا غاية التنبه: أنه ليس معنى ذلك أن الشافعي لا يقول بإفادة (المتواتر) للعلم، بلى هو عنده مفيد للعلم!! ككثيرٍ من (أخبار الخاصة) غيره. لكن إفادتها

للعلم من جهةٍ غير الجهة التي يزعمها المتكلمون، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى (32)

وهذه قاصمة الظهر!! أن يكون الإمام الشافعي لا يرى شروط الحديث (المتواتر) شروطاً صالحة لإفادة (العلم)، فكيف يكون بعد ذلك ممن يقول بـ (التواتر) على تلك الشروط؟!!!

وهذا كله في بقية مناظرة الإمام الشافعي لخصمه، التي سبق نقل طرفٍ منها آنفاً. حيث أكمل الشافعي مناظرته بقوله لذاك الخصم: ((وقلت له: لا يكون تواتر الأخبار عندك عن أربعةٍ في بلد؟ ولا إن قبل عنهم أهل بلدهم (33)!! حتى يكون المدني يروي عن مدني، والمكي يروي عن مكي، والبصري يروي عن بصري، والكوفي يروي عن كوفي، حتى ينتهي كل واحدٍ منهم بحديثه عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير الذي روى عنه صاحبه، ويجمعوا جميعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم = للعلة التي وصفت؟

قال: نعم، لأنهم إذا كانوا في بلدٍ واحدٍ أمكن فيهم التواطؤ على الخبر، ولا يمكن فيهم إذا كانوا في بلدان مختلفة.

(قال الشافعي:) فقلت له: لبئس ما نبثت (34) به على من جعلته إماماً في دينك، إذا ابتدأت وتعقبت!!)) (35).

هذا أول ردود الشافعي على أحد شروط (المتواتر) التي يشترطها الأصوليون، وهو شرط: استحالة التواطؤ على الكذب.

فيرى الإمام الشافعي أن اشتراط هذا الشرط، واعتبار أن تحققه يتم بأن يكون كل راوٍ من بلدٍ بعيدٍ عن الآخر= فيه حط شديد على أئمة الدين، وثقات الأمة وعدولها، إذ جعلها ذلك الشرط وكأنهم لا يحول بينهم وبين التواطؤ على الكذب إلا عدم القدرة على التواطؤ، لمثل بعد البلدان!!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير