وقال الشيخ العلامة بكر أبو زيد في طبقات النسابين (ص7 - 8): (وأخلت في هذه الطبقات من ألف في المؤتلف والمختلف والمتفق والمفترق والمشتبه والألقاب والنِّسب ـ جمع نسبة ـ، لأن هذه الفنون ذات صلة وثيقة بالأنساب، ولا يدريها إلا من كان له نوع تذوق في النسب ودراية وفضل علم ورواية، ولذا سيرى الناظر جماعة ممن شهروا بعلم النسب قد ألفوا في تلك؟؟ أو بعضها، والمؤتلف والمختلف خاصة لا يُقدِم عليه إلا الفَوَقَة المهرة في التاريخ والأنساب والجمع والتقصي والبحث والتحري، وهم أفراد معدودون وأفذاذ متميزون على تطاول العصور؛ ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لأدخلت أيضاً كل من قيل في ترجمته بأنه اخباري، لأن هذه النسبة عندهم تعم من درس التاريخ وجمع أخبار الناس في مثالبهم ومناقبهم وأنسابهم وأيامهم، ولهذا ترى [ابن] النديم في الفهرست يجمع بينهم وبين النسابين في الفن الأول من المقالة الثالثة؛ كما أدخلت في كتابي هذا من علماء النسب من أرباب الفرق المترجمين في رجال أهل السنة، لجمع ما في الباب، ولي سلف صالح كما تفيده المصادر الموثقة للطباق، وإلا فإن المبتدعة لا يسوغ حشرهم في مصاف أهل السنة على قدم التساوي؛ ولولا ذكرهم في كتب أهل السنة على سبيل التبعية أو التحطط لما عرجت عليهم، وما شذ من ذلك بينته، وهو قليل جداً).
(7)
(((حكم رد الحديث)))
من كذّب حديثاً مرفوعاً ولم يكن في ذلك مقلداً فهو إما مجتهد مصيب، وذلك بسبب عدم ثبوت الحديث؛ أو هو مجتهد مخطئ معذور، وذلك بسبب ظنه عدم ثبوت الحديث مع أن التحقيق ثبوته؛ أو هو مخطئ بتكذيب صادق من الرواة، أو مصيب من النقاد، بغير حجة، فيستحق، أعني هذا الثالث، المؤاخذة، وتكون بحسب ما عنده من مقصد وعناد وجرأة؛ أو هو مكذب للنبي صلى الله عليه وسلم، فيكفر؛ قال المعلمي رحمه الله في (الأنوار الكاشفة) (ص254):
(أما إن زعم [الناقد] أنه [يعني الحديث] كذب فهو مكذب له، ولا يضره ذلك ما لم يلزمه أحد أمرين: إما تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، وإما تكذيب صادق بغير حجة).
(8)
(((متى تعد الروايتان المتقاربتان حديثاً واحداً ومتى تعدان حديثين)))
قال العلائي في (نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد) (ص256) وما بعدها:
(تقدم في ألفاظ طرق حديث أبي هريرة تباين في مواضع عديدة لا يمكن الجمع بينها والكل في الصحيح، وترتب عليها فوائد فقهية مما اختلف فيه العلماء.
ففي بعض الطرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لذي اليدين: لم أنس ولم تقصر، فقال له ذو اليدين بعد ذلك: بلى قد نسيت؛ ولم تذكر هذه الزيادة في كثير من الروايات.
وفي رواية أخرى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ذلك لم يكن)، فقال له ذو اليدين: (قد كان بعض ذلك يا رسول الله).
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس: ماذا يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق يا رسول الله، لم تصل إلا ركعتين.
وفي أخرى: فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال: أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم يا رسول الله؛ وفي أخرى: فأومأوا أي نعم.
وقد جمع بعض الأئمة بين هاتين الروايتين بأن بعض الناس أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقول نعم، باللفظ، وبعضهم أجابه بالإيماء؛ وهذا الجمع إنما يقوى إذا كان الاختلاف واقعاً من رواية صحابيين؛ فنقول: أحدهما سمع الإجابة باللفظ، والآخر رأى الذين أومأوا ولم يسمع المجيب باللفظ (3).
وهذا الحديث بهذه الألفاظ مداره على أبي هريرة رضي الله عنه. والظاهر أن القصة واحدة ولكن الرواة تصرفوا فيها فرواه بعضهم بالمعنى على نحو مما سمع فحصل هذه الاختلافات.
فيتعين حينئذ إما الجمع بينها بوجه ما، وإما الترجيح، وهذا ما يتعلق بقاعدة شريفة عظيمة الجدوى في علم الحديث وهي:
الاختلاف الواقع في المتون بحسب الطرق ورد بعضها إلى بعض إما بتقييد الإطلاق أو تفسير المجمل أو الترجيح حيث لا يمكن الجمع أو اعتقاد كونها وقائع متعددة.
ولم أجد إلى الآن أحداً من الأئمة الماضين شفى النفس في هذا الموضع بكلام جامع يرجع إليه؛ بل إنما يوجد عنهم كلمات متفرقة وللبحث فيها مجال طويل؛ فنقول وبالله التوفيق:
¥