التساهل أنواع منه التساهل في الرواية، والتساهل في نسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره ممن تنتهي إليهم الأخبار المروية، وهذان النوعان متقاربان؛ ومنه التساهل في الاحتجاج بالأحاديث، ومنه التساهل في نقدها ونقد رواتها.
@@@@@@
(23)
(((أنواع تساهل النقاد)))
تساهل النقاد نوعان:
النوع الأول: تساهل في القواعد؛ وهو تساهل في المعاني والأحكام؛ وحقيقة هذا النوع اختيار قواعد وأصول للنقد مبنية على حسن الظن، فيؤدي التفريع عليها إلى إنشاء أحكام ترفع الراوي أو السند أو الحديث عن الرتبة التي يستحقها بحسب القواعد المعتدلة إلى رتبة تكون أكثر قوة لحاله خلافاً لما يستحق.
والنوع الثاني: تساهل في المصطلحات؛ وهو تساهل في العبارات والألفاظ؛ وحقيقته تجوز وتوسع باستعمال المصطلح بمعنى غير معناه الذي استعمله به الجمهور.
وهذا النوع الثاني جائز ولا يشاح فاعله إذا بين مراده بذلك المصطلح؛ وكذلك لا يطلق عليه وصف التساهل، ولكنه يسمى متساهلاً مع التقييد، كأن يقال مثلاً: ابن حبان يتساهل في كلمة (صحيح) فيطلقها على الحديث الحسن كما يطلقها على الحديث الصحيح.
وتشدد النقاد نوعان أيضاً، كالتساهل؛ أول النوعين نقل الراوي من رتبة يستحقها في التعديل إلى ما هو دونها أو في التجريح إلى ما هو أسوأ منها وأشد؛ وكذلك التشدد في نقد الأحاديث؛ وثانيهما مثاله أن يتشدد الناقد في إطلاق لفظة (ثقة) على الثقات فيكون شحيحاً بها على أكثرهم، وإنما يستعمل لوصفهم لفظة (صدوق) ونحوها.
ولكن ليعلم أنه إذا رأينا ناقداً من النقاد يستعمل لفظة (صدوق) مثلاً في مرات كثيرة في وصف من هو عند التحقيق ثقة، أو في وصف من هو عند التحقيق لا يرتقي إلى رتبة الصدوق، فإن هذا لا يلزم منه أن يكون بمجرده كافياً لتعيين نوع تساهله أو تشدده؛ بل إنه فوق ذلك – أعني فوق احتماله أكثر من نوع من التساهل أو التشدد – يحتمل أن يكون مضطرباً في قواعده في النقد أو في أحواله في التساهل والتشدد والاعتدال، أو أنه متفاوت الأمر في سعة اطلاعه على أحوال الرواة وما قيل فيهم، فيصيب مرة ويجانب الصواب قليلاً أو كثيراً مرة أخرى؛ والتحقيق أنه لا يصح تعيين أحد هذه الاحتمالات المذكورة إلا بقرينة صحيحة كافية.
ومما ينبغي التنبيه له بعد هذا التقسيم أن معنى تساهل النقاد ينصرف عند الإطلاق إلى النوع الأول من التساهل دون النوع الثاني منه؛ وكذلك يقال في حق التشدد.
@@@@@@
(24)
(((شروط ومعنى وصف الناقد بالتساهل أو التشدد)))
من تسرع أو وهم أو أثر فيه الغضب أو الرضا فوثق الضعيف فإنه لا يسمى بسبب ذلك متساهلاً وإن تكرر منه ذلك، إلا إذا كثر ذلك كثرة دالة على ميله إلى توثيق أو تقوية الضعفاء أو دالة على استناده على قواعد متساهلة؛ وقُلْ نظير ذلك في التشدد.
وبعبارة أخرى: لا يسمى متشدداً أو متساهلاً إلا من كان ذلك ديدناً وصفة لازمة له ولو في طائفة معينة من الرواة كالتابعين مثلاً أو الشيعة أو الناصبة أو أهل الرأي أو في كتاب معين من كتبه دون سائرها.
وبهذا يعلم أن وصفهم الناقد بأنه متساهل ليس معناه تساهله في كل أحكامه؛ وإنما ذلك الوصف حاصل بالنظر إلى جملة أحكامه في الرواة أو الأحاديث؛ أي بالنظر إلى غالب أحواله في النقد، أو في باب من أبواب النقد؛ وهو الباب الذي يقيدون تساهله به؛ بل إنه كثيراً ما يجتمع في الراوي الواحد تساهل وتشدد فضلاً عن أن يجتمع فيه تساهل واعتدال؛ وقال الدكتور قاسم علي سعد في (مباحث في علم الجرح والتعديل) (ص133):
(لا يقتضي الوصف بالاعتدال أن يكون كلام الجارح والمعدل كله منصفاً معتدلاً، بل يقصد الغالب، وذلك لأن كثيراً من المعتدلين قد يتشددون أو يتساهلون أحياناً، كما أن بعض المتساهلين قد يتعنتون وبعض المتشددين قد يتسمحون).
ولكنني لا يسعني أن أكتم هنا ما أراه - ولعلي أكون مصيباً – وهو أن الغالب على الموصوفين بالتشدد هو الاعتدال في نقد الرواة لا التشدد؛ وهذا بخلاف الموصوفين بالتساهل، فأكثرهم أهل لذاك الوصف أو لأكثر منه؛ والاستقراء مؤيد لدعواي هذه.
¥