تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأقول: إن العليم الخبير أحكم الحاكمين كما شرع الجهاد في سبيله لإظهار دينه، ومع ذلك يسر ما يرغب فيه من جهة الدنيا، فكذلك شرع حفظ السنة وتبليغها، ومع ذلك يسر ما يرغب في ذلك [الإشارة إلى إظهار الدين وحفظه ونشره] من جهة الدنيا، لأنه كما يحصل بالجهاد عن الإسلام وإن قل ثواب بعض المجاهدين، فكذلك يحصل بطلب الحديث وحفظ الدين ونشره، وإن قل أجر بعض الطالبين)؛ انتهى كلام المعلمي في تعقب هذه المسألة، ثم قال عقب ذلك (ص287 - 288):

(وذكر أبو رية (ص330) كلمات لبعض المحدثين في ذم أ هل الحديث يعنون طلابه، التقطها من كتاب (العلم) لابن عبد البر؛ وقد قال ابن عبد البر هناك (125:2): (وهذا كلام خرج على ضجر، وفيه لأهل العلم نظر).

وإيضاح ذلك أن الرغبة في طلب الحديث كانت في القرون الأولى شديدة، وكان إذا اشتهر شيخ ثقة معمَّر مكثر من الحديث قصده الطلاب من آفاق الدنيا، منهم من يسافر الشهر والشهرين وأكثر ليدرك ذاك الشيخ، وأكثر هؤلاء الطلاب شبان، ومنهم من لا سعة له من المال إنما يستطيع أن يكون معه من النفقة قدر محدود يتقوت منه حتى يرجع أو يلقى تاجراً من أهل بلده يأخذ منه الشيء، وكان منهم من كل نفقته جراب يحمله، فيه خبز جاف يتقوت كل يوم منه كسرة يبلها بالماء ويجتزئ بها؛ ولهم في ذلك قصص عجيبة.

فكان يحتمع لدى الشيخ جماعة من هؤلاء كلهم حريص على السماع منه وعلى الاستكثار ما أمكنه في أقل وقت، إذ لا يمكنه إطالة البقاء هناك لقلة ما يبده من النفقة، ولأنه يخاف أن يموت الشيخ قبل أن يستكثر من السماع منه، ولأنه قد يكون شيوخ آخرون في بلدان أخرى، يريد أن يدركهم ويأخذ عنهم، فكان هؤلاء الشباب يتكاثرون على الشيخ ويلحون عليه ويبرمونه، فيتعب ويضيق بهم ذرعاً، وهو إنسان له حاجات وأوقات يجب أن يستريح فيها وهم لا يدعونه، ومع ذلك فكثير منهم لا يرضون أن يأخذوا من الشيخ سلاماً بسلام، بل يريدون اختباره ليتبين له أضابط هو أم لا؛ فيوردون عليه بعض الأسئلة التي هي مظنة الغلط ويناقشونه في بعض الأحاديث ويطالبونه بأن يبرز أصل سماعه؛ وإذا عثروا للشيخ على خطأ أو سقط أو استنكروا شيئاً من حاله خرجوا يتناقلون ذلك بقصد النصيحة، فكان بعض أولئك الشيوخ إذا ألح عليه الطلبة وضاق بهم ذرعا أطلق تلك الكلمات (أنتم سخنة عين، لو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا ضرباً)، (ما رأيت علماً أشرف ولا أهلاً أسخف من أهل الحديث)؛ (صرت اليوم ليس شيء أبغض إلي من أن أرى واحداً منهم)؛ (إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)؛ (لأنا أشد خوفاً منهم من الفساق)، لأنهم يبحثون عن خطئه وزلَلِه ويشيعون ذلك.

والغريب أن أولئك الطلاب لم يكونوا يدعون هذه الكلمات تذهب، بل يكتبونها ويروونها فيما يروون؛ فيذكرها من يريد عتاب الطلاب وتأديبهم كابن عبد البر، ويهتبلها أبو رية ليعيب بها الحديث وأهله جملة.

فأما قول الثوري (أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة، وودت أني خرجت منه كفافاً لا علي ولا لي)؛ فهذا كلام المؤمن الشديد الخشية تتضاءل عنده حسناته الكثيرة العظيمة ويتعاظم في نظره ما يخشى أن يكون عرض له من تقصير أو خالطه من عجب، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نحو هذا فيما كان له بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل، وإنما كان عمله ذلك جهاداً في سبيل الله وإعلاء دينه وتمكين قواعده وإقامة العدل التام، وغير ذلك من الأعمال الفاضلة، وقد كان فيها كلها أبعد الناس عن حظ النفس، بل كان يبالغ في هضم نفسه وأهل بيته، وكل عارف بالإيمان وشأنه يعرف لكلمة عمر حقها، ولكن الرافضة عكسوا الوضع، وقفاهم أبو رية في كلمة الثوري وما يشبهها‍!

وعلق أبو رية على كلمة (لو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب، الخ) ما تقدم تقنيده في مواضع.

**********

(43)

بداية كتب المصطلح

إن تقرير قواعد علم الحديث واستعمال مصطلحات خاصة بأهله أمرٌ بدأ منذ بدء المسلمين برواية حديث نبيهم صلى الله عليه وسلم، أي في عصر الصحابة رضي الله عنهم بل في عصر الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم، ولكن لاشك أنها كانت في أول أمرها قريبة المأخذ قليلة العدد واضحة المقصد وذلك ما لم يقتض شأنهم وشأن العصر والعلم حينئذ أكثر منه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير