أبعلمٍ تقولُ هذا؟ أبِنْ لي**أمْ بجهلٍ؟ فالجهل خلق السفيهِ
أيعاب الذين هم حفظوا الديـ**ـن من الترهات والتمويهِ
وإلى قولهم وما قد رووه***** ****راجعٌ كل عالم وفقيهِ
**********
(46)
الغلط في نقل الجرح والتوثيق
قال المعلمي في (التنكيل) (ص250 - 253) في الأمر الرابع من الأمور التي أوصى بها من أراد البحث في أحوال الرجال:
(الرابع: ليستثبت أن تلك الكلمة قيلت في صاحب الترجمة فإن الأسماء تتشابه وقد يقول المحدث كلمة في راوٍ فيظنها السامع في آخر، ويحكيها كذلك.
وقد يحكيها السامع فيمن قيلت فيه ويخطئ بعض من بعده فيحملها على راو آخر.
ففي الرواة المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، والمغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام الحزامي، والمغيرة بن عبد الرحمن بن عوف الأسدي؛ حكى عباس الدوري عن يحيى بن معين توثيق الأول وتضعيف الثالث، فحكى ابن أبي حاتم عن الدوري عن ابن معين توثيق الثاني ووهَّمه المزي؛ ووثق أبو داود الثالث وضعف الأول فذكرت له حكاية الدوري عن ابن معين فقال: غلط عباس).
ثم ذكر المعلمي تسعة أمثلة أخرى لهذا النوع من الغلط أو الاختلاف في نقل الجرح كلها من كلام ابن معين، ومثالين آخرين من كلام غيره.
**********
(47)
حكم قول الراوي (حدثني الثقة)
من الألفاظ المفهمة للتعديل: قول الراوي (حدثني الثقة)، (حدثني من أثق به)، (حدثني بعض الثقات)، (حدثني من لا أتهم)؛ ولكن هذه الصيغة – على خلاف المتبادر – علة مقتضية لتضعيف حديثها حتى ولو كان ذلك الراوي القائل (حدثني الثقة) أو نحوها من العبارات المذكورة، من علماء النقد المعتمدين.
فإن قيل: فلمَ لا يقبل منه هذا التوثيق كما يقبل منه انفراده بتوثيق من يسميه من الرواة سواء كان ذلك التوثيق في أثناء الرواية كأن يقول: حدثني فلان وهو ثقة، أو خارجها كأن يسأل عن راو فيقول: إنه ثقة؟
فالجواب أن الذي نقبله منه إنما هو التوثيق الذي لا يخالفه فيه من هو فوقه أو مثله في هذا الفن؛ وأما هنا فلم نتحقق انفراده بتوثيق هذا الشيخ المبهم، فلذلك لم نأمن أنه لا يخالفه في هذا التوثيق من تضره مخالفته؛ أي أنه يحتمل – احتمالاً معتبراً – أنه لو سمى من وثقه لوجدنا أنه يخالفه في ذلك الحكم من هو فوقه أو مثله فيضعّف ذلك الشيخ الموثق أو يليّنه؛ ولذا توقف النقاد عن قبول هذا النوع من التوثيق أعني توثيق الشيخ المبهم.
**********
(48)
كيف كانت تتم نسخ الطلبة التي يسمعونها من شيوخهم
قال المعلمي في (التنكيل) (ص302): (أقول: (تاريخ الخطيب) قرئ عليه في حياته ورواه جماعة، ويظهر أنها أخذت منه عدة نسخ في حياة الخطيب على ما جرت به عادة المُثْرين من طلبة العلم والمجتهدين منهم، أن يستنسخ كل منهم الكتاب قبل أن يسمعه على الشيخ ثم يسمع في كتاب نفسه ويصحح نسخته، وكثير منهم يستنسخ قبل كل مجلس القطعة التي يتوقع أن تقرأ في ذلك المجلس إلى أن يتم الكتاب).
قلت: والنسخ قد يقوم به الطالب نفسه أو يقوم به غيره من الوراقين أو غيرهم.
**********
(49)
معنى تأخير المحدثين أحياناً ذكر السند عن المتن
قال محمد عوامة في فهارس (الكاشف) (2/ 557): (ذكر آخر السند ثم المتن ثم سياقة أول السند بعده: طريقة مؤذنة بضعف الحديث عند البخاري والترمذي وابن خزيمة وابن حبان)؛ قلت: والظاهر أن صنيع البخاري مقصور على كتبه في الرجال، لا دخل له في صحيحه؛ وكذلك ابن حبان.
ثم إنهم إنما كانوا يفعلون هذا لسقوط إسناد الحديث؛ فالظاهر أن هذا الاصطلاح منهم دال على شدة ضعف الحديث لا على مطلق ضعفه؛ ولعل فيه إشارة إلى عدم جواز روايته عنهم إلا مع بيان حاله كما فعلوا هم.
**********
(50)
أوهام البخاري في (تاريخه)
من المعروف أن ابن أبي حاتم له كتاب في أوهام البخاري في (تاريخه) وقد طبعه العلامة المعلمي في 166 صفحة عدا فهارسه ومقدمته.
والحق أن البخاري بريء من أكثر تلك المؤاخذات كما بين ذلك العلامة المعلمي في مقدمة الكتاب وفي التعليق عليه، وأنقل فيما يلي طرفاً من مقدمته لأهمية كلامه وكثرة فوائده.
قال هناك تحت عنوان (الموضوع والفائدة):
(موضوع الكتاب على التحديد بيان ما وقع من خطأ أو شبهه في النسخة التي وقف عليها الرازيان من (تاريخ البخاري)؛ والشواهد تقضي أن أبا زرعة استقرأ تلك النسخة من أولها إلى آخرها ونبه على ما رآه خطأ أو شبهه مع بيان الصواب عنده، ثم تلاه أبو حاتم فوافقه تارة وخالفه أخرى واستدرك مواضع.
وإذ كان البخاري والرازيان من أكابر أئمة الحديث والرواية وأوسعهم حفظاً وأثقبهم فهماً وأسدهم نظراً فمن فائدة هذا الكتاب أن كل ما في التاريخ مما لم يعترضه الرازيان فهو على ظاهره من الصحة بإجماعهم [أي بإجماع هؤلاء الأئمة الثلاثة البخاري والرازيَّين]، ومثله، بل أولى، ما ذكرا أنه الصواب وحكيا عن التاريخ خلافه والموجود في نسخ التاريخ ما صوباه.
ومن فائدته بالنظر إلى المواضع التي هي في نسخ (التاريخ) على ما حكياه وذكرا أنه خطأ معرفة الخلاف ليجتهد الناظر في معرفة الصواب، وكثير من ذلك لم ينبه عليه في (الجرح والتعديل) ولا غيره فيما علمت).
ثم ذكر فصلاً آخر أسماه (النظر في تعقبات الرازيين) تكلم فيه بكلام شريف جليل فانظره تجد فيه من الفوائد والتنبيهات ما لم يُسبَق إليه.
ثم بين بعد ذلك حكم الخطأ في هذا الباب الدقيق من العلم فقال: (من الناس من عرف طرفاً من علم الرواية ولم يحققه فسمع أن كثرة خطأ الراوي تخدش في ثقته، فإذا رأى هنا نسبة الخطأ إلى البخاري أو أبي زرعة توهم أن هذا الخطأ من جنس ذاك؛ ومن الناس من يعرف الحقيقة ولكنه يتجاهلها لهوى له؛ والحقيقة هي أن غالب الخطأ الذي تتجه نسبته إلى البخاري نفسه أو إلى أبي زرعة، إنما هو من الخطأ الاجتهادي الذي يوقع فيه اشتباه الحال وخفاء الدليل؛ وما قد يكون في ذلك مما يسوغ أن يعد خطأ في الرواية فهو أمر هين لا يسلم من مثله أحد من الأئمة؛ وعلى كل حال فليس هو بالخطأ الخادش في الثقة).
¥