تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروى الخطيب (1/ 88) عن عبد الله بن المبارك قال: (من طلب الحديث وكتب ليُكتب عنه فلا يجد رائحة الجنة).

ثم روى (1/ 90) عن ابن شوذب عن مطر قال: (خير العلم ما نفع؛ وإنما ينفع الله بالعلم من علمه ثم عمل به ولا ينفع به من علمه ثم تركه).

وعن سفيان بن عيينة قال: (إنما منزلة الذي يطلب العلم ينتفع به بمنزلة العبد يطلب كل شيء يرضي سيده، يطلب التحبب إليه والتقرب إليه والمنزلة عنده؛ لئلا يجد عنده شيئاً يكرهه)؛ وأنه قال: (إن أنا علمت بما أعلم فأنا أعلم الناس؛ وإن لم أعمل بما أعلم فليس في الدنيا أحد أجهل مني).

(72)

قلة شيوخ مالك من العراقيين

كان مالك رحمه الله متثبتاً في انتقاء الشيوخ والمرويات عامة، ومتشدداً في العراقيين ومروياتهم خاصة، بل كان متردداً في قبول رواياتهم أو معرضاً عنها؛ ولذلك قل شيوخ مالك من العراقيين، قال الذهبي في (السير) (8/ 68 - 69): «أبو يوسف أحمد بن محمد الصيدلاني (1) سمعت محمد بن الحسن الشيباني يقول: كنت عند مالك فنظر إلى أصحابه فقال: انظروا أهل المشرق فأنزلوهم بمنزلة أهل الكتاب إذا حدثوكم؛ فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم؛ ثم التفت فرآني فكأنه استحيى فقال: يا أبا عبد الله أكره أن تكون غيبة، هكذا أدركت أصحابنا يقولون.

قلت [أي الذهبي]: هذا القول من الإمام قاله لأنه لم يكن له اعتناء بأحوال بعض القوم ولا خبر تراجمهم؛ وهذا هو الورع؛ ألا تراه لما خبر حال أيوب السختياني العراقي كيف احتج به؛ وكذلك حميد الطويل وغير واحد ممن روى عنهم؛ وأهل العراق كغيرهم فيهم الثقة الحجة والصدوق والفقيه والمقرئ والعابد وفيهم الضعيف والمتروك والمتهم؛ وفي الصحيحين شيء كثير جداً من رواية العراقيين رحمهم الله، وفيهم من التابعين كمثل علقمة ومسروق وعبيدة والحسن وابن سيرين والشعبي وإبراهيم ثم الحكم وقتادة ومنصور وأبي إسحاق وابن عون ثم مسعر وشعبة وسفيان والحمادين وخلائق أضعافهم رحم الله الجميع، وهذه الحكاية رواها الحاكم عن النجاد عن هلال بن العلاء عن الصيدلاني». انتهى كلام الذهبي.

وما قلته في أول هذه الفائدة من صفة موقف أهل مالك من العراقيين قد اشتهر معناه عنه؛ وليس مستندي فيه هذه الحكاية وحدها؛ فلا يوهن ذلك عدمُ صحة هذه الحكاية على فرض أنها لا تصح، ومع ذلك يظهر أنها صحيحة عند الذهبي فإنه جزم بنسبتها إلى مالك وشَرَحها والشرح عند المحققين فرع الثبوت (2).

ولم ينفرد مالك بهذا الرأي في العراقيين بل قد سبقه إليه بعض شيوخه كالزهري وتبعه عليه بعض تلامذته كالشافعي؛ قال السيوطي في (التدريب) (1/ 85): «وكان جماعة لا يقدمون على حديث الحجاز شيئاً حتى قال مالك: إذا خرج الحديث عن الحجاز انقطع نخاعه؛ وقال الشافعي: إذا لم يوجد للحديث من الحجاز أصل ذهب نخاعه، حكاه الأنصاري في كتاب ذم الكلام.

وعنه أيضاً: كل حديث جاء من العراق وليس له أصل في الحجاز فلا تقبله وإن كان صحيحاً؛ ما أريد إلا نصيحتك.

وقال مسعر: قلت لحبيب بن أبي ثابت: أيما أعلم بالسنة أهل الحجاز أم أهل العراق؟ فقال: بل أهل الحجاز.

وقال الزهري: إذا سمعت بالحديث العراقي فأورد به ثم أورد به.

وقال طاوس: إذا حدثك العراقي مئة حديث فاطرح تسعة وتسعين.

وقال هشام بن عروة: إذا حدثك العراقي بألف حديث فألق تسعمئة وتسعين؛ وكن من الباقي في شك.

وقال الزهري: إن في حديث أهل الكوفة دغلاً كثيراً.

وقال ابن المبارك: حديث أهل المدينة أصح وإسنادهم أقرب.

وقال الخطيب: أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة فإن التدليس عنهم قليل، والكذب ووضع الحديث عندهم عزيز؛ ولأهل اليمن روايات جيدة وطرق صحيحة إلا أنها قليلة ومرجعها إلى أهل الحجاز أيضاً؛ ولأهل البصرة من السنن الثابتة بالأسانيد الواضحة ما ليس لغيرهم مع إكثارهم، والكوفيون مثلهم في الكثرة غير أن رواياتهم كثيرة الدغل قليلة السلامة من العلل؛ وحديث الشاميين أكثره مراسيل ومقاطيع، وما اتصل منه مما أسنده الثقات فإنه صالح، والغالب عليه ما يتعلق بالمواعظ.

وقال ابن تيمية: اتفق أهل العلم بالحديث على أن أصح الأحاديث ما رواه أهل المدينة ثم أهل البصرة ثم أهل الشام». انتهى كلام السيوطي.

(73)

اختلاف يحيى القطان وابن مهدي

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير