تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن الذي يريد شرح مصطلحات فن من فنون العلم أو يجمعها أو يصنف معجماً لها يجب عليه أن يعلم قبل كل شيء أنه مستقرئ وشارح وموضح ومفسر، وأنه ليس مؤسساً لاصطلاحات جديدة ولا قائماً بتحوير أو تطوير أو تغيير أو تبديل أو اقتراح، إذ المطلوب في اصطلاحات العلماء فهم مراداتهم بها أي فهم معانيها كما أرادوها هم، لا التصرف فيها وفي شرحها بما يوافق المشهور أو الجمهور أو المنطق أو الهوى؛ والاصطلاحات ليست متعلقاً للصواب والخطأ، ولكن قد يقال: أحسن فلان في اختيار هذا الاصطلاح ولم يحسن فلان في اختياره ذاك الاصطلاح، إما لما فيه من غموض، أو إيهام، أو بعد عن المعنى اللغوي للكلمة، أو مخالفة لاصطلاح سائر العلماء قبله، أو غير ذلك، وإن كانت مثل هذه العيوب في اصطلاحات القدماء نادرة جداً بل لعلها معدومة غير موجودة.

وأما الخطأ والصواب فإنما يقعان في القواعد والأحكام.

والحاصل أن المطلوب من الباحث في مصطلحات العلماء فهم مقاصدها، وفي قواعدهم تحرير أدلتها ومعرفة صوابها من خطئها.

ومن المهم النافع جداً معرفة معنى اصطلاح كل عالم عنده، وليس من المهم نقد ذلك الاصطلاح بنحو بيان عدم مطابقته لاصطلاح الجمهور أو لمقتضى اللغة أو المنطق، وإن كان بعض التنبيه على ذلك لا يخلو من فائدة.

(84)

بعض أدوات معرفة معاني المصطلحات

مما ينفع كثيراً في معرفة معاني مصطلحات العلماء التوسع في معانيها اللغوية، وهذا أمر ظاهر لا يحتاج إلى إيضاح؛ ثم إن معرفة اصطلاحات المحدثين على سبيل التفصيل والتحقيق لا تتيسر – بعد معرفة القدر المطلوب من العلم بالعربية - إلا بعد معرفة مناهج المحدثين وقواعدهم في هذا الفن، فمن ظن أنه يمكن معرفة المصطلحات معرفة كافية شافية من غير خوض فيما عداها من مسائل علم المصطلح وأصول الحديث ومناهج العلماء وما يتعلق بذلك من تراجم الأئمة منهم ونحو ذلك فقد ظن عجزاً.

(85)

صعوبة استقراء معاني كل المصطلحات الحديثية

إن معرفة معاني مصطلحات كل إمام من أئمة الحديث على سبيل التحقيق والتفصيل، أمر فيه من الصعوبة والغموض ما يعجز – بسببه – عن بعضه أكثر العلماء، فلا بد من أن يشارك في هذا الباب كثير من العلماء وطلاب العلم والمدرسين والطلاب في الجامعات ونحوها.

ولا بد، أيضاً، من التخصص في البحث أحياناً، كأن يختص الدارس ببعض مصطلحات المحدثين أو بمصطلحات بعض المحدثين.

ولا بأس من أن يتوارد على العمل الواحد أكثر من باحث، فإذا تكررت دراسة موضوع بعينه من قبل اثنين من الطلبة أو أكثر، فعسى أن يكون مجموع ما صنعوه أقرب إلى الشمول والاستيعاب، وأن يكون الواقف على دراساتهم أكثر معرفة لحقائق المسائل وأكثر إحاطة بدلائلها، وأكثر تمكناً من اعتبار بعض ما قالوه ببعضه، وعسى أن يناقش المتأخر منهم المتقدم فيقع في مناقشته له ما لا يستغني عن معرفة كثير من طالبي هذا العلم.

(86)

حاجة كثير من المصطلحات إلى التحقيق في معانيها

إن كثيراً من عبارات الجرح والتعديل يُعْوِزها التحقيق في معانيها وإن كثيراً من تلك العبارات يختلف معناها من عالم إلى آخر؛ وقد تواتر التنبيه إلى هذا المعنى ونحوه، في كلام العلماء والدارسين، قديماً وحديثاً؛ ودونك جملة طيبة من ذلك.

قال الإمام الذهبي في (الموقظة) (ص82):

(والكلام في الرواة محتاج إلى ورع تام وبراءة من الهوى والميل وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله؛ ثم نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من عرف ذلك الإمام الجهبذ واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة).

وقال الحافظ ابن كثير في (اختصار علوم الحديث) (ص105):

(وبينهما [أي أرفع عبارات التعديل وأسوأ عبارات التجريح] أمور كثيرة يعسر ضبطها----؛ وثَمَّ اصطلاحات لأشخاص ينبغي التوقيف عليها).

وقال الحافظ ابن حجر في (نزهة النظر) (ص111):

(ومن المهم أيضاً معرفة أحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالةً----؛ ومن أهم ذلك، بعد الاطلاع، معرفة مراتب الجرح والتعديل لأنهم قد يجرحون الشخص بما لا يستلزم رد حديثه كله----).

يريد أن التضعيف على درجات فبعضه يستلزم رد حديث الراوي كله، وبعضه لا يستلزم ذلك، بل يقبل من حديثه ما تابعه عليه من كان مثله أو قريباً منه في حاله في الرواية.

وقال السخاوي في (فتح المغيث) (1/ 362):

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير