ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[13 - 11 - 05, 10:33 ص]ـ
الحلقة العاشرة
(91 - 100)
(91)
بيان بعض أسباب ما قد يقع نادراً من اختلاف كلمات الناقد في راو بعينه
قد تختلف أحكام أو كلمات الناقد في رواة معينين، ولذلك أسباب أحاول أن ألم هنا بأهمها؛ فأقول وبالله التوفيق:
إن اختلاف الثقة المكثر المعتمد من النقاد في الحكم على الراوي الواحد، هو في الحقيقة أمر هين له أسبابه التي من علمها عذره وفهم حقيقة ما يقع من ذلك، ومن أهم تلك الأسباب ما يأتي ذكره:
1 - إن الناقد قد يتأثر حكمه أحياناً دون أحيانٍ أخرى بحديث لذلك الراوي يسمعه أو يقف عليه قبيل كلامه فيه، قال المعلمي في (التنكيل) (ص225): (ومن ذلك أن المحدث قد يسأل عن رجل فيحكم عليه بحسب ما عرف من مجموع حاله، ثم قد يسمع له حديثاً فيحكم عليه حكماً يميل فيه إلى حاله في ذاك الحديث، ثم قد يسمع له حديثاً آخر فيحكم عليه حكماً يميل فيه إلى حاله في هذا الحديث الثاني، فيظهر بين كلامه في هذه المواضع بعض الاختلاف. وقع مثل هذا للدارقطني في سننه وغيرها؛ وترى بعض الأمثلة في ترجمة الدارقطني من قسم التراجم. وقد يُنقل الحكم الثاني أو الثالث وحده فيُتوهم أنه حكم مطلق).
وقال في (التنكيل) (ص588) في ترجمة الدارقطني:
(ينبغي أن تعلم أن كلام المحدث في الراوي يكون على وجهين:
الأول: أن يُسأل عنه فيجيل فكره في حاله في نفسه وروايته ثم يستخلص من مجموع ذلك معنى يحكم فيه [كذا ولعل التعبير بلفظة (به) أجود].
الثاني: أن يستقر في نفسه هذا المعنى ثم يتكلم في ذاك الراوي في صدد النظر في حديث خاص من روايته، [(((هامش))): قلت: أو قسمٍ خاصٍ من أحاديثه، مثل أحاديثه عن بعض شيوخه أو في بعض البلاد أو الأزمنة أو بعض أحواله كحاله قبل اختلاطه أو بعده. انظر السبب الثاني من هذه الأسباب، وفيه مشابهة لهذا السبب الأول. انتهى الهامش].
فالأول هو الحكم المطلق الذي لا يخالفه حكم آخر مثله إلا لتغير الاجتهاد.
وأما الثاني فإنه كثيراً ما ينحى به نحو حال الراوي في ذاك الحديث.
فإذا كان المحدث يرى أن الحكم المطلق في الراوي أنه صدوق كثير الوهم ثم تكلم فيه في صدد حديث من روايته، ثم في صدد حديث آخر، وهكذا، فإنه كثيراً ما يتراءى اختلاف ما بين كلماته).
ثم أتى المعلمي رحمه الله بأمثلة ذلك.
2 - أن يكون أحد الحكمين المختلفين حكماً نسبياً ويكون الآخر حكماً كلياً، والحكم النسبي قد يخالف الحكم الكلي، ومن أمثلة الحكم النسبي الحكم على الراوي بالنسبة إلى مروياته عن بعض شيوخه أو بالنسبة إلى ما رواه عنه بعض تلامذته أو بالنسبة إلى ما رواه من حفظه أو من كتابه أو قبل اختلاطه أو بعده، ويكون الناقد قد أطلق الحكم ولم يقيده. ولكن لا شك أن هذا نادر لا يكثر؛ وراجع (شرح علل الترمذي) (ص784).
قال المعلمي في (التنكيل) (ص254 - 255) بعد أن ذكر خلاصة المعنى الذي ذكره الباجي في أسباب اختلاف كلمات الناقد في الراوي [ويأتي كلام الباجي]:
(ومما يدخل في هذا الباب انهم قد يضعفون الرجل بالنسبة إلى بعض شيوخه، أو إلى بعض الرواة عنه، أو بالنسبة إلى ما رواه من حفظه، أو بالنسبة إلى ما رواه بعد اختلاطه؛ وهو عندهم ثقة فيما عدا ذلك---).
ومن أمثلة بعض ما تقدم أن يسأل بعض الطلبة شيخه الناقد عن حال راو من الرواة، فيقول له: زيد الراوي عن عمرو؛ ما حاله؛ فيجيب الناقد ويحكم على زيد في عمرو لا مطلقاً؛ ويظن السائل أنه أراد الإطلاق، وينقله على أنه مطلق؛ وإنما أتى الناقد بحكم مقيد قد يخالف بعض الشيء حكمه المطلق.
3 - أن يكون ذلك الرجل مختلفاً فيه غير واضح الأمر وضوحاً تاماً فيجتهد فيه الناقد فيختلف فيه اجتهاده إذا سئل عنه أو تكلم فيه ابتداءً في أكثر من مقام أو أكثر من وقت؛ قال الذهبي في جزئه (ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) (ص172) بعد أن ذكر جملة من العلماء بالحديث ورجاله قبل ابن معين: «فمن أئمة الجرح والتعديل بعد من قدمنا: يحيى بن معين، وقد سأله عن الرجال عباس الدوري وعثمان الدارمي وأبو حاتم وطائفة، وأجاب كل واحد منهم بحسب اجتهاده. ومن ثَم اختلفت آراؤه وعباراته في بعض الرجال، كما اختلفت اجتهادات الفقهاء المجتهدين، وصارت لهم في المسألة أقوال».
¥