معنى تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم هو أصحية أحاديث الأول على أحاديث الثاني في الجملة، وليس معناه أن كل حديث في البخاري أصح من كل حديث في مسلم، ولا أن كل حديث في البخاري إذا خالف حديثاً في مسلم يكون حديث البخاري أصح؛ وإنما هذا هو الغالب والأصل، أي أن كل حديث في البخاري يعد أصح من كل حديث في مسلم إلا أن يقوم الدليل في حق حديث من الأحاديث على ضد هذا الأصل فيقدم حينئذ حديث مسلم على حديث البخاري.
ولكن من الواضح البين أنه لا معنى للمفاضلة بين حديثين في موضوعين مختلفين، ولا حاجة إلى المفاضلة بين حديثين صحيحين ظاهرهما التعارض والجمع بينهما ممكن وصحيح، فتنحصر الحاجة إلى هذه المفاضلة في حديثين واردين في الصحيحين وبينهما من اختلاف التضاد ما لا يمكن معه الجمع أو التوفيق بينهما؛ وهذا القسم في الصحيحين نادر جداً بل إنه يكاد يكون بحمد الله معدوماً. والله أعلم.
(99)
الفرق في موضوع علم العلل بين المتقدمين والمتأخرين
كل ما غمض علمه أو غمض اكتشاف وجه الخطأ فيه أو كان خلاف الظاهر، فهو داخل في علم العلل؛ أعني عند المتقدمين؛ فلذلك تراهم لا يقتصرون فيه على أوهام الثقات؛ بل هم يدخلون في علم العلل أوهام الأئمة في الحكم على حديث أو أوهامهم في بيان اسم راو أو نسبه أو أي أمر يتعلق بترجمته، وسبب إدخالهم أوهام الأئمة في أحكامهم أنها مما يظن فيها الصواب، وأن الإصابة هي الأصل في أحكامهم؛ والوهم في أقوالهم مظنة للخفاء على أكثر الناس.
وكذلك يدخلون فيه القواعد والضوابط العامة والخاصة التي لا يتمكن منها إلا الجهابذة، مثل قولهم كل من اسمه فلان فهو ضعيف؛ وكذلك مقارناتهم بين الرواة، وكذلك الاستقراء الذي يقوله الأئمة، مثل قول الناقد: هذا الحديث لا أصل له، أو قوله هذا الحديث لم يروه إلا فلان، أو هذا الحديث ورد من خمسين وجهاً، مثلاً.
وكذلك يدخل في علم العلل تخريج كبار الأئمة للحديث لأنهم حينئذ يذكرون من الطرق ما يصعب على غيرهم الوقوف عليه، واستحضاره؛ وكتاب الدارقطني في العلل مثال على هذا.
إذن فعلم العلل بالمعنى المستقر عند المتأخرين أخص منه عند الأئمة.
وإن أبى قارئ هذا التفريق ولم يسلم له، فلا بد من التسليم بأن موضوع علم العلل عند المتأخرين أخص من موضوع كتب العلل التي ألفها المتقدمون. والله الموفق.
(100)
ما هو موضوع كتب الرجال؟
كتب الرجال هي الكتب التي تُعنى بتعيين الرواة، بتحرير أسمائهم وكناهم وأنسابهم ونحوها، ودفع ما قد يقع من الاشتباه في ذلك؛ وتعنى أيضاً ببيان أحوالهم في الرواية؛ وببيان أحوال رواياتهم من حيث الاتصال والانقطاع بينهم وبين من فوقهم أو دونهم في الأسانيد.
فعلم الرجال مقاصده الرئيسة ثلاثة:
الأول: ضبط أسماء الرجال وأنسابهم وتبيينها بما يمنع من أن يجهل معروف من الرواة أو أن يقع خطأ في تعيين المسمى منهم.
ويلتحق بهذا المقصد ضبط الأسماء والأنساب وما يذكر معها ضبطاً مانعاً مما لا محذور فيه من اللحن والخطأ في قراءتها أو كتابتها أو الوهم في نسبتها؛ أي اللحن أو الخطأ الذي لا يكون سبباً فيما تقدم من الحكم على معروف بالجهالة أو تعيين المسمى على خلاف الصواب بسبب تشابه الأسماء.
ثم إن كتب الأسماء والكنى والأنساب وضبطها وما يلتحق بها ويذكر في عدادها أنواع كثيرة وعلوم صعبة، وأخطر أنواعها وأهمها فن المؤتلف والمختلف وفن المتفق والمفترق.
الثاني: معرفة تواريخهم – أعني تواريخ الرجال - وما يحتاجه النقاد من سيرهم وتراجمهم، وأهم ذلك هنا معرفة من سمعوا منه ممن لم يسمعوا منه، ومقدار تلك المسموعات ولو على وجه التقريب.
ومن أهم وأنفع الكتب المؤلفة في هذا الباب الثاني كتب الوَفيات.
الثالث: أحوالهم في الرواية من حيث العدالة والضبط.
والكتب المؤلفة في هذا القسم الثالث هي التي تستحق أن تسمى كتب الجرح والتعديل دون ما سواها من كتب الأسماء والتواريخ؛ ولكن قد حصل من التوسع والتجوز في التسميات ما جرى على خلاف هذا، وهو من باب تسمية الجزء بإسم الكل أو تسمية الشيء بأهم أقسامه أو غير ذلك، والأمر في ذلك قريب محتمل.
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[14 - 11 - 05, 11:36 م]ـ
الحلقة (11)
(101 - 110)
(101)
استشكال النص لا يقتضي بطلانه
¥