لا يلزم من استشكال النص بطلانه؛ قال العلامة المعلمي في (الأنوار الكاشفة) (ص223): (واعلم أن الناس تختلف مداركهم وأفهامهم وآراؤهم، ولا سيما في ما يتعلق بالأمور الدينية والغيبية، لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحكمته، ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يستشكلها كثير من الناس وقد ألفت في ذلك كتب؛ وكذلك استشكل كثير من الناس كثيراً من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما هو من رواية كبار الصحابة أو عدد منهم كما مر.
وبهذا يتبين أن استشكال النص لا يعني بطلانه.
ووجود النصوص التي يستشكل ظاهرها لم يقع في الكتاب والسنة عفواً، وإنما هو أمر مقصود شرعاً ليبلو الله تعالى ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور وييسر للعلماء أبواباً من الجهاد العلمي يرفعهم الله به درجات).
(102)
شرط الاكتفاء بالمعاصرة
قال ابن حجر في (نتائج الأفكار) (1/ 160) في كلامه على حديث أعله ابن المديني بالانقطاع:
(فما له علة سوى الانقطاع؛ فلعل من صححه سهل الأمر فيه لكونه من الفضائل؛ ولا يقال: اكتفى بالمعاصرة، لأن محل ذلك [أي الاكتفاء بالمعاصرة وعدها اتصالاً] أن لا يحصل الجزم بانتفاء التقاء المتعاصرين إذا كان النافي واسع الاطلاع مثل ابن المديني؛ والله أعلم).
أقول: نعم؛ ولكن ليس معنى ذلك أنه لا يشترط للحكم بالانقطاع أن يكون النافي للقاء مساوياً لابن المديني أو مقارباً له في العلم وسعة الاطلاع، ولكن يكفي في ذلك أن يكون النافي أحد علماء الحديث المعتمدين، وكذلك لا يشترط الجزم بل غلبة الظن تكفي. وانظر ما كتبه العلامة احمد محمد شاكر في (شرح المسند) (8/ 5).
(103)
مرسل الصحابي
قال ابن حجر في (النكت) (2/ 540 - 541):
(وقد وجد في منقولات كثيرة أن الصحابة من النساء والرجال كانوا يحضرون أولادهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتبركون بذلك----؛ لكن هل يلزم من ثبوت الرؤية له الموجبة لبلوغه شريف الرتبة بدخوله في حد الصحبة أن يكون ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعد مر سلاً؟
هذا محل نظر وتأمل؛ والحق الذي جزم به أبو حاتم الرازي وغيره من الأئمة أن مرسله كمرسل غيره وأن قولهم (مراسيل الصحابة – رضي الله تعالى عنهم – مقبولة بالاتفاق إلا عند بعض من شذ)، إنما يعنون بذلك من أمكنه التحمل والسماع؛ أما من لا يمكنه ذلك فحكم حديثه حكم غيره من المخضرمين الذين لم يسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم؛ والله أعلم).
(104)
تعريف الحديث الصحيح
الحديث الصحيح هو الحديث الذي يرويه العدل التام الضبط - أو من يقوم مقامه من العدول الضابطين ضبطاً خفيفاً - عن مثله أو مثلهم، إلى منتهاه من غير انقطاع، أو علة خفية، أو شذوذ أو اضطراب.
والإسناد الصحيح هو الإسناد المتصل بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه.
فصحة الإسناد لا يلزم منها صحة الحديث أي المتن، وإنما يصح المتن إذا صح إسناده وكان مع ذلك سالماً من الشذوذ والعلة والاضطراب.
وفيما يلي مزيد من البيان والإيضاح:
سئل الشيخ أبو الحسن المصري في (إتحاف النبيل) (1/ 59 - 60): (ما هو تعريف الحديث الصحيح)؟ فقال:
(أريد أن أتكلم على التعريف الشائع في الحديث الصحيح، فابن الصلاح يقول: (هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده)، فكلمة المسند تعتبر حشواً ولا حاجة لها، لأنه إذا كان يعني بالمسند أي المتصل، فقد ذكر الاتصال بعدُ بقوله: هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده --- الخ.
وإذا كان يعني بالمسند المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فينقضه قوله إلى (منتهاه) لأن معناه حديث [كذا] ينتهي السند سواء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو إلى من دونه.
والتعريف الذي يرتضى هو: الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط - أو عن مثله – إلى منتهاه، ولا يكون معللاً.
أما زيادة الشذوذ فإن قيل: إن الشذوذ من جملة العلل الخفية فلا حاجة إلى إفراده بالتعريف بقيد مستقل، وإلا لزمنا أن نقول: ولا يكون مضطرباً ولا مدرجاً ولا كذا ولا كذا؛ فالاضطراب والإدراج والشذوذ من جملة العلل القادحة؛ لماذا خصوا نوع الشذوذ من جملة الأحاديث المعلة وذكروها في تعريف الحديث الصحيح؟
فالجواب أن هذه مسألة تحتاج إلى بحث.
¥