تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم ظهر لي بتوفيق الله عز وجل صحة ثبوت نفي الشذوذ في التعريف، خلافاً للفقهاء والأصوليين الذين لا يعدون مخالفة المقبول لمن هو أوثق منه علة قادحة؛ والقدح بذلك مذهب المحدثين. وسيأتي تفصيل لذلك فيما بعد غن شاء الله.

فعلى هذا فهو: الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط أو عن مثله إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً----.

وبعضهم يقول: لماذا نقول: بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط، والعدل الضابط هو الثقة؟ لماذا لا نقول: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل الثقة عن الثقة أو عن مثله؟

فأقول: إن كلمة العدل الضابط لا بد منها، لأن تعريف الثقة عند العلماء يختلف فيه، فقد علمنا تعريف الثقة عند ابن حبان رحمه الله تعالى ما معناه؛ فلا بد أن ينص على أنه عدل أيضاً.

وكما ذكر الحافظ الذهبي أن المتأخرين قد توسعوا في كلمة (ثقة) وأصبحوا يطلقون كلمة (ثقة) على من صح سماعه من شيخه وإن كان سيء الحفظ أو كان مغفلاً أو كان لا يفهم شيئاً من علم الحديث؛ فإذا صح سماعه من شيخه وأنه لا يكذب ولا يقول: حدثني فلان وهو لم يحدثه، أصبحوا يطلقون عليه كلمة (ثقة) فتراهم يقولون: (فلان ثقة لا يدري ما الحديث) أي ثقة في دينه؛ ولما كانت كلمة (الثقة) تطلق على الثقة في الدين والعدالة كان لا بد من التنصيص على العدالة والضبط في التعريف، والله أعلم). انتهى كلامه.

أقول: هذا تعريف الحديث الصحيح لذاته، والأكمل بل الصحيح المتعين أن يذكر في حد الحديث الصحيح ما يشمل الصحيح بذاته والصحيح بمجموع طرقه. هذا عند من يقول بتصحيح الحديث إذا ورد بإثنين أو أكثر من الأسانيد الحسنة، وهم معظم المتأخرين ومعظم المتقدمين؛ وهو القول الصحيح الذي عليه علماء العلل؛ وإن توسع فيه المتأخرون إلى حد التساهل المخل.

والأحسن عندي أن يزاد في حد الحديث الصحيح الاحتراز من الاضطراب لأنه – على ما يظهر، ولا سيما بحسب اصطلاح المتأخرين – نوع قائم بنفسه غير المعل والشاذ.

وعلى هذا يسوغ أن يقال في تعريف الحديث الصحيح نحو هذه العبارة:

(هو الحديث الذي يرويه العدل التام الضبط - أو من يقوم مقامه من العدول الضابطين ضبطاً خفيفاً - عن مثله أو مثلهم إلى منتهاه من غير انقطاع أو علة أو شذوذ أو اضطراب) كما تقدم ذلك في أول الكلام في هذا التنبيه.

فإما أن نكتفي بالاحتراز عن العلة ويكون المراد بها العلة الخفية القادحة، والشذوذ والاضطراب؛ وإما أن ننص على الاحتراز عن الثلاثة جميعاً أعني العلة والشذوذ والاضطراب.

وعندي في هذا الباب كلام غير قليل وتعقبات على بعض ما تقدم؛ والكلام في تعريف الصحيح ومناقشة العلماء في تعاريفهم وشروحهم طويل الذيل فلنكتف هنا بهذا القدر، لأن الإطالة الزائدة في موضع واحد قد تكون سبباً في الإملال أو في تعقيد المسألة؛ ويأتي كلام متعلق بهذا الموضع في غيره بإذن الله؛ وانظر الآن ما يلي.

(105)

تنبيهات تتعلق بالصحيح

الأول: إن قيل إن النقاد كما يختلفون في الثقة يختلفون في العدالة والضبط بنوعيه التام والقاصر، فالاختصار والتعبير بكلمة ثقة بدل (العدل الضابط التام الضبط) أولى، قيل في الجواب عن ذلك: إن اختلافهم في هذين أقل بكثير جداً من اختلافهم في شروط التوثيق.

الثاني: إن الذي يطلب الاحتراز عنه من الانقطاع وما ذكر معه من الأوصاف الاحترازية في تعريف الحديث الصحيح ليس هو المقطوع به من ذلك فقط، وإنما مثله أيضاً ما غلب على الظن من ذلك أو كان محتملاً احتمالاً معتبراً يستحق أن يلتفت إليه وأن ينبني الحكم عليه.

الثالث: كان جماعة من العلماء يطلقون اسم الصحيح على كل ما يحتج به عندهم من الأحاديث فاسم الصحيح عندهم يعم الصحيح والحسن، منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، قال ابن حجر في (النكت) (1/ 290 - 291): (فلم يلتزم ابن خزيمة وابن حبان في كتابيهما أن يخرجا الصحيح الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف، لأنهما ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن، بل عندهما أن الحسن قسم من الصحيح لا قسيمه؛ وقد صرح ابن حبان بشرطه، وحاصله أن يكون راوي الحديث عدلاً مشهوراً بالطلب غير مدلس سمع ممن فوقه إلى أن ينتهي؛ فإن كان يروي من حفظه فليكن عالماً بما يحيل المعاني؛ فلم يشترط على الاتصال والعدالة ما اشترطه المؤلف [يعني ابن الصلاح] في الصحيح من وجود الضبط ومن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير