تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قوى مؤلفا (تحرير التقريب) بعض الرواة أو عضداهم برواية البخاري عنهم خارج الصحيح، وذلك لا يستقيم، قال المعلمي في تخريج (الفوائد المجموعة) (ص354) في بعض الضعفاء: {وروى له البخاري في الأدب المفرد، وليس في ذلك ما يشد منه، لأن البخاري لا يمتنع في غير الصحيح عن الرواية عن الضعفاء، فقد روى عن أبي نعيم النخعي وهو كذاب، وعن الفرياناني وهو كذاب أيضاً}. وانظر التنكيل (ص319 - 323و495).

(109)

الفرق بين الشذوذ وزيادة الثقة والرواية بالمعنى والاضطراب

إذا وردت روايتان صحيحتا الإسناد لحديث واحد؛ وكان في الأولى عبارة ليست موجودة بلفظها في الرواية الثانية؛ فتلك العبارة:

إما أن لا يوجد في الرواية الثانية ما يناظرها أصلاً؛ فإنها حينئذ تسمى زيادة ثقة؛ وإنما تسمى زيادة ثقة لأن الإسناد صحيح كما تقدم فكل رجاله ثقات؛ وأما حكم زيادة الثقة فإنها تقبل وترد بحسب ما يراه النقاد المتمكنون في كل مرة؛ وفي بيان قواعد ذلك تفصيل ليس هذا موضع الخوض فيه.

وإما أن يوجد لتلك العبارة ما يناظرها؛ فالعبارة حينئذ لها – باعتبار ما يناظرها في الرواية الثانية – أربعة احتمالات:

الاحتمال الأول: أن يكون ذلك المناظر مساوياً لها في المعنى؛ فهذه هي الرواية بالمعنى.

وأما تمييز رواية اللفظ منهما عن رواية المعنى فهذه مسألة تبحث في موضع آخر.

الاحتمال الثاني: أن يكون ذلك المناظر مخالفاً لها في المعنى، ولكن الجمع بينهما ممكن، فذلك داخل في باب العام والخاص أو المطلق والمقيد أو المجمل والمبين أو نحو ذلك، وكل ذلك له عند التدبر دخل في باب زيادة الثقة؛ ولكن الجمع غير متعين؛ بل لا يصح المصير إلى الجمع إلا إذا كان هو الأولى؛ فأحياناً يكون الأصح – حديثياً - الحكم على إحدى الروايتين بالشذوذ، مع إمكان الجمع من الناحية النظرية.

الاحتمال الثالث: أن يكون بين العبارة وما يناظرها تبايناً بحيث لا يمكن الجمع بينهما؛ ولكنهما غير متضادتين، أي لا تنافي إحداهما الأخرى؛ فكل منهما حينئذ تسمى زيادة ثقة، أي بالنسبة للرواية الأخرى؛ وتلك الزيادتان قد تردّان جميعاً أو تقبلان جميعاً أو تقبل إحداهما وترد الثانية؛ وذلك بحسب ما يليق بهما من جهة النقد الصحيح.

الاحتمال الرابع: أن تكون العبارة ومناظرتها متضادتين متنافيتين بحيث يلزم من إثبات إحداهما إبطال الثانية؛ ففي هذه الحالة لا بد من ترجيح إحداهما على الأخرى؛ فتسمى الراجحة المصححة محفوظة أو معروفة أو صحيحة أو ثابتة؛ والمقابلة لها تسمى شاذة بل منكرة؛ فإن ثبت أنهما يستحقان الترك معاً؛ وذلك قليل؛ أو تعسر الترجيح بينهما، وذلك نادر، فكلتاهما حينئذ تترك وهو الاضطراب.

فالاحتمالات بين روايتين لحديث واحد هي ما يأتي:

1 - التساوي في اللفظ ويلزم منه التساوي في المعنى.

2 - التساوي في المعنى دون اللفظ.

3 - وجود زيادة في إحداهما على الثانية؛ وليست في هذه الثانية زيادة على تلك.

4 - الاختلاف في المعنى (ويلزم منه الاختلاف في اللفظ)؛ مع إمكان الجمع.

5 - الاختلاف في المعنى؛ مع عدم إمكان الجمع؛ ولكن مع إمكان الترجيح.

6 - الاختلاف في المعنى؛ مع عدم إمكان الجمع؛ وعدم إمكان الترجيح.

وقد تقدمت تسميات هذه الأنواع والإشارة إلى أحكامها.

(110)

تفضيل أبي علي النيسابوري صحيح مسلم على صحيح البخاري

المعروف عند جمهور المحدثين تفضيل صحيح البخاري على صحيح مسلم، أعني من حيث صحة الأحاديث التي في الكتابين؛ ولكن بعض المتقدمين عكس ففضل صحيح مسلم على صحيح البخاري، ومن هؤلاء الحافظ أبو علي النيسابوري شيخ أبي عبد الله الحاكم فإنه قال: (ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم) فالبخاري داخل في هذه المفضولات عنده، وظاهر كلامه مردود غير مقبول؛ وقد رده كثير من العلماء، ومن المعلوم أن رد مثل هذا الكلام سهل يسير وذلك لوضوح الأدلة على وهائه وكثرتها وشهرتها؛ ولكن من الغريب أن يقع حافظ ناقد كأبي علي في مثل هذا الوهم؛ ولذلك لا أستبعد أن يكون مراده تفضيل جملة ما في مسلم على جملة ما في البخاري؛ فيكون قد اعتبر في هذه الكلمة - في جملة ما اعتبره - معلقات البخاري، فيكون قد فضل مجموع ما في مسلم من حيث الجملة على مجموع ما في البخاري من حيث الجملة أيضاً، فهو على هذا التوجيه لم يكن مقارناً بين مسندات البخاري ومسندات مسلم فقط، بل بين كل ما ورد من المتون في الكتابين.

وقد قال بعض المتأخرين أن أبا علي لم يصرح بتفضيل صحيح مسلم على غيره وإنما نفى أصحية غير كتاب مسلم عليه، ولكن هذا الفهم لا يستقيم؛ قال البقاعي في (النكت الوفية على شرح الألفية) شارحاً عبارة النيسابوري ومتعقباً ذلك الفهم: (الحق أن هذه الصيغة تارة تستعمل على مقتضى أصل اللغة فتنفي الزيادة فقط، وتارة على مقتضى ما شاع من العرف فتنفي المساواة؛ ومثل قوله عليه الصلاة والسلام (ما طلعت الشمس ولا غربت) الحديث [قلت: تتمته: بعد النبيين على رجل أفضل من أبي بكر]، وإن كان ظاهره نفي أفضلية الغير لكنه إنما ينساق لإثبات أفضلية المذكور؛ والسر في ذلك أن الغالب في كل اثنين هو التفاضل دون التساوي، فإذا نفى أفضلية أحدهما ثبت أفضلية الآخر). نقله عنه علي القاري في (شرح النزهة) (ص62). وانظر موضع هذا المبحث من (توضيح الأفكار) للصنعاني.

وقال الذهبي في (التذكرة): (لعل أبا علي ما وصل إليه صحيح البخاري). ولكن ابن حجر استبعد صحة هذا الاحتمال، وهو مصيب في هذا الاستبعاد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير