(تنبيه: قد أعل حديث الصماء بالمعارضة المذكورة، وأعل أيضاً بالاضطراب؛ فقيل هكذا [أي كما كان ذكره] وقيل: عن عبد الله بن بسر وليس فيه عن أخته الصماء، وهذه رواية ابن حبان وليست بعلة قادحة، فإنه أيضاً صحابي، وقيل: عنه عن أبيه بسر، وقيل: عن الصماء عن عائشة. قال النسائي: هذا حديث مضطرب. قلت: ويحتمل أن يكون عند عبد الله عن أبيه وعن أخته، وعند أخته بواسطة؛ وهذه طريقة من صححه؛ ورجح عبد الحق الرواية الأولى وتبع في ذلك الدارقطني، لكن هذا التلون في الحديث الواحد بالإسناد الواحد مع اتحاد المخرج يوهن راويه وينبئ بقلة ضبطه إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالاً على قلة ضبطه، وليس الأمر هنا كذا، بل اختلف فيه أيضاً على الراوي عن عبد الله بن بسر أيضاً". انتهى كلامه وليس مقصودي حكاية كلامه على الحديث، ولكن القاعدة التي اشتمل عليها كلامه.
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(117)
جحود الشيخ لحديثه
جحود الشيخ الحديث هو أن يُروى عنه حديث فيأتيه راو فيقول له: أنت حدثت بكذا وكذا؛ أو يقول له: هل الحديث الفلاني من حديثك؟ فيجيب بالنفي.
والجحود إما أن يكون مطلقاً بمعنى أنه لم يحدث بالحديث أصلاً؛ وهذا هو الأغلب في الجحود؛ وإما أن يكون مقيداً بتلميذ بعينه، فيقول: أنا ما حدثته بهذا الحديث.
وربما يكون السائل للشيخ عن الحديث الذي جحده هو الراوي عنه فيقول له: ما حدثتك بهذا الحديث.
وبعبارة أخرى: إذا قيل: إن الشيخ الفلاني جحد حديث زيدٍ عنه فالمراد بهذه العبارة أن زيداً أو راوياً غيره ذكر لذلك الشيخ أنه - أعني زيداً – سمع من ذلك الشيخ حديثاً معيناً فنفى الشيخ تحديثه بذلك الحديث إما نفياً مطلقاً أو مقيداً بزيد.
ومن أجل معرفة الحكم في هذه القضية فإنه ينظر في جحود الشيخ لمرويه إلى جهتين:
الأولى: قوة جحود الشيخ أي قوة جزمه بالنفي، وقوة جزم الراوي عنه بالسماع.
والثانية: رتبة كل منهما في العدالة والضبط؛ ويتم ترجيح قول من فاق صاحبه في محصل الفرق بينهما في هاتين الجهتين، ولكن ينبغي قبل الترجيح مراعاة القرائن المحتفة بدعوى كل منهما كالمتابعات والشواهد ونحوهما ومظان الوهم أو النسيان وأسبابهما وما يتعلق بذلك.
قال الزركشي في (النكت) (1/ 313 - 314): (قوله (أما إذا قال المروي عنه: لا أعرفه--- إلى آخره) حاصله أنه يعمل بالخبر لأن الراوي جازم بسماعه، قال ابن شاهين: بلغني عن أبي بكر الأثرم قال: قلت لأحمد بن حنبل: يضعف الحديث عندك أن يحدث الثقة عن الرجل ويسأل عنه فينكره أو لا يعرفه؟ فقال: لا، قد كان معمر يروي عن ابنه عن نفسه عن عبد الله بن عمر.
وحكى ابن الأثير ثلاثة مذاهب: أحدها: هذا؛ وثانيها: أنه يبطل العمل به؛ وثالثها: التفصيل في الشيخ؛ فإن كان رأيه يميل إلى غلبة نسيان وكان ذلك عادته في محفوظاته قبل رواية غيره عنه؛ وإن كان رأيه يميل إلى جهله أصلاً بذلك الخبر رد؛ فقلما ينسى الإنسان شيئاً حفظه نسياناً إلا ويتذكر بالتذكر [؟؟] والأمور تبنى على الظاهر لا على النادر؛ وحنئذ فللشيخ أن يقول: حدثني فلان عني أني حدثته.
تنبيه: هذا كله إذا أنكره قولاً؛ وفي إنكاره فعلاً حالتان:
إحداهما: أن ينكره فعلاً بأن يعمل بخلاف الخبر فإن كان قبْل الرواية فلا يكون تكذيباً لأن الظاهر أنه تركه لما بلغه الخبر، وكذا إذا لم يعلم التاريخ؛ وإن كان بعد الرواية فإن كان الخبر يحتمل ما عمل به بتأويل لم يكن تكذيباً وإلا فالخبر مردود.
الثانية: أن ينكره تركاً وإذا امتنع الشيخ من العمل بالحديث دل على أنه لو عرف صحته لما امتنع من العمل به، وله حكم ما قبله. ذكره ابن الأثير في مقدمة (جامع الأصول).) انتهى كلام الزركشي.
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(118)
التقوية بكثرة الطرق
جاء في (تهذيب الكمال) (15/ 493): (قال حنبل بن إسحاق: سمعت أبا عبد الله يقول: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتب اعتبر به، وهو يقوي بعضه ببعض).
وأسند البيهقي في (السنن الكبرى) (2/ 142) عن عثمان بن سعيد الدارمي قال: (سمعت أحمد بن حنبل يقول: أحاديث (أفطر الحاجم والمحجوم)، و (لا نكاح إلا بولي)، أحاديث يشد بعضها بعضاً وأنا أذهب إليها).
¥