إن روى كل واحد من القرينين عن صاحبه فهو المُدَبَّجُ، وأول من سماه بذلك الإمام الدارقطني، ولم يقيده بكونهما قرينين بل كل اثنين روى كل منهم عن الآخر يقال فيهما: تدبج فلان مع فلان وإن كان أحدهما أكبر من صاحبه؛ وما كان يحسن ممن جاء بعده أن يخالفه في هذا الاصطلاح الذي ابتكره ولكن أبى المتأخرون إلا المخالفة لصاحب الاصطلاح نفسه واحتجوا بما لا عذر لهم فيه فقال قائلهم: (لو روى الشيخ عن تلميذه فهل يسمى مدبجاً؟ فيه بحث والظاهر لا، لأنه من رواية الأكابر عن الأصاغر، والتدبيج مأخوذ من ديباجتي الوجه فيقتضي أن يكون مستوياً من الجانبين).
تكميل: (المدبج) سمي بهذا الاسم إما لحسنه لأنه لغة المزين؛ والرواية كذلك إنما تقع لنكتة يعدل فيها عن العلو إلى المساواة أو النزول فيحصل للإسناد بذلك تزيين، أو سمي به لحسنه الناشئ عن قلته وطرافته، أو سمي به لنزول الإسناد فيكون ذماً من قولهم: رجل مدبج قبيح الوجه والهامة، حكاه صاحب (المحكم)، وقد قال ابن المديني والمستملي: النزول شؤم، وقال ابن معين: الإسناد النازل حدرة (2) في الوجه. وفيه بعد، أو سمي به لأن الراويين الواقعين في المدبج شُبِّها بالخدين إذ يقال لهما: الديباجتان، كما قاله الجوهري وغيره.
تدقيق:
التدقيق هو الكتابة بالخط الدقيق، أي الذي صغرت حروفه ودقت.
تدليس:
التدليس صنيع لبعض الرواة فيه إيهام خلاف الواقع، كما يأتي بيانه؛ وهو مشتق من الدَّلَسِ، وهو الظلام، وكأنه أظلم أمر الحديث المدلس على الناظر لتغطية وجه الصواب فيه كما يتضح مما يأتي.
والتدليس أقسام أشهرها تدليس الإسناد وهو المراد عند إطلاق لفظة التدليس.
وفيما يأتي تعريف تلك الأنواع أو أهمِّها.
تدليس الإسناد:
هو أن يروي غير الصحابي عمن سمع منه في الجملة - أو عمن يغلب على ظن تلامذته وغيرهم أنه سمع منه (3) - ما لم يسمعه منه، من حديثه، حاذفاً الواسطة، قاصداً إيهام السماع باستعمال الصيغة المحتملة للسماع وعدمه (4)، أو بحذف الصيغة أصلاً، أو بالعطف أو بالقطع، ويأتي شرح كيفيات الايهام الثلاث الأخيرة، وأما الكيفية الأولى فراجع لها (صيغ الأداء).
تنبيه: يظهر أن جمهور العلماء بالحديث قدماء ومتأخرين كانوا يفرقون بين الإرسال الخفي والتدليس، وأن قليلاً منهم كابن حبان والخليلي كانوا - بحسب ما يظهر - يسمون الإرسال الخفي تدليساً، وهل كان هؤلاء يشترطون في تسميته تدليساً تعمد فاعله الإيهام أو لا يشترطون؟ هذا ما ينبغي أن يحرر؛ وعلى كل حال فالتحقيق أن الإرسال الخفي لا ينبغي أن يعد تدليساً إلا بشرط تعمد فاعله الإيهام، وبهذا يجمع بين ما قد يظهر من تناقض بين عبارات بعض الأئمة في تعريف التدليس، كالخطيب في (الكفاية).
التدليس بحذف الصيغة:
هو التدليس بحذف الصيغ الموهمة فضلاً عن المصرحة، كما كان ابن عيينة يقول: (عمرو بن دينار سمع جابراً رضي الله عنه) ونحو ذلك.
تدليس البلاد:
وهو أن يسمي الراوي موضع سماعه من شيخه بطريقة توهم الرحلة والجد في الطلب، أي توهم أن السماع حاصل في بلد بعيد أو شهير أو ذي شأن؛ والواقع غير ذلك؛ مثاله ما إذا قال المصري: (حدثني فلان بالأندلس) وأراد موضعاً بالقرافة؛ أو قال: (بزقاق حلب) وأراد موضعاً بالقاهرة؛ أو قال البغدادي: (حدثني فلان بما وراء النهر) وأراد نهر دجلة، أو قال: (بالرقة) وأراد بستاناً على شاطئ دجلة؛ أو قال الدمشقي: (حدثني فلان بالكرك) وأراد كرك نوح، وهو بالقرب من دمشق.
تدليس التسوية:
انظر (التسوية).
تدليس الشيوخ:
هو أن يروي عن شيخ فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به، أو بما لم يشتهر به، لكيلا يعرف أصلاً، أو لكي توافق تسميته تسمية غيره من الثقات أو الكبار أو المشاهير فيوهم أنه المراد.
تدليس العطف:
هو أن يروي عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه، ويكون المدلِّس قد سمع ذلك المروي من أحدهما دون الآخر، فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني عليه، فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضاً؛ وهو إنما حدث بالسماع عن الأول ثم نوى القطع فقال: (وفلان)، أي: وحدث فلانٌ.
¥