اجتمع أصحاب هشيم فقالوا: لا نكتب عنه اليوم شيئاً مما يدلسه، ففطن لذلك فلما جلس قال: حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم، فحدث بعدة أحاديث، فلما فرغ قال: هل دلست لكم شيئاً؟ قالوا: لا، فقال: بل كل ما حدثتكم عن حصين فهو سماعي، ولم أسمع من مغيرة من ذلك شيئاً.
تدليس القطع:
مثاله ما كان يفعله عمر بن عبيد الطنافسي من أنه كان يقول: (حدثنا)، ثم يسكت ينوي القطع، ثم يقول: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها؛ فيذكر حديثاً لم يسمعه من هشام؛ ويكون تقدير الكلام عنده، أي في نفسه، هو (حدَّث هشام عن أبيه---)؛ وذلك بعد أن يُضرِب عن جملته الأولى وهي (حدثنا) ويُعْرض عن إتمامها.
تساهُل:
التساهل هو تسمُّح ناشيء عن نقص في الاحتياط أو في الجد أو عن زيادة في حسن الظن.
والتساهل عند المحدثين أقسام هي: التساهل في الأداء، والتساهل في التحمل، والتساهل في التحديث، والتساهل في نقد الأحاديث ورواتها. وانظر (متساهل).
التساهل في الرواية:
أي تهاون المحدث برواية ما لا يثبت من الأحاديث أو ما لم يضبطه منها، أو ما تحمله بطريقة فيها خلل؛ ومعناه ليس ببعيد من معنى التساهل في الأداء والتساهل في التحديث.
التسميع:
ويسمى أيضاً سماع أو طبقة (5)، وهو كتابة أسماء السامعين أو بعضهم على بعض أصولهم التي سمعوا فيها من شيخهم، وبيان ما سمعه كل منهم من ذلك الأصل.
وكان من عادتهم أن يكتبوا ذلك فوق سطر التسمية، أو في حاشية أول ورقة من الكتاب، فيكتب المحدث أسماء من سمع معه وتأريخ وقت السماع، واسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه.
وإن كان سماعه الكتاب في أكثر من مجلس كتب عند انتهاء السماع في كل مجلس علامة البلاغ؛ ويكتب في الذي يليه التسميع والتاريخ كما يكتب في أول الكتاب؛ قال الخطيب: ورأيت كتاباً بخط أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل مما سمعه منه ابنه عبد الله وفي حاشية ورقة منه (بلغ عبد الله).
وكان المحدثون يحفظون تلك السماعات أو يحافظون عليها ويتفقدونها، ويعرفون ما قد يقع فيها من تبديل أو تزوير.
ولكتابة التسميع شروط وآداب، منها: أن تكون الكتابة من قِبل بعض الثقات الحاضرين ممن له خط معروف مميز، ويحصل ذلك باطلاع من حضر كلهم أو كثير منهم؛ ولا بأس عليه عند هذا بأن لا يصحح الشيخ عليه أي لا يحتاج حينئذ إلى كتابة الشيخ خطه بالتصحيح.
ولكن لا ريب أن من استيقن أنه سمع جاز له أن يكتب سماعاً لنفسه، ويقبل منه ذلك إن كان ممن قد ثبتت عدالته عند النقاد؛ ومن ثبتت عدالته وأمانته ثم ادعى سماعاً ولا معارض له، أو يعارضه ما له فيه عذر قريب، فإنه يقبل منه، وقد قرأ عبد الرحمن بن منده جزءاً على أبي أحمد الفرضي وسأله خطه ليكون حجة له، فقال له: يا بني عليك بالصدق، فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد وتُصَدَّقُ فيما تقول وتنقل؛ وإذا كان غير ذلك فلو قيل لك: ما هذا خط الفرضي ماذا تقول لهم؟
ومن آدابها أيضاً: أن على كاتب التسميع التحري في ذلك والاحتياط وبيان السامع والمسمِّع والمسموع بلفظ غير محتمل، ومجانبة التساهل فيمن يثبته، والحذر من إسقاط بعض السامعين لغرض فاسد، فإن ذلك مما يؤديه إلى عدم انتفاعه بما سمع.
فإن لم يحضر مثْبِتُ السماع – أي كاتبه - ما سمعَ، كأن يتأخر عن أول المجلس، فله أن يعتمد في إثباته حضورهم على خبر ثقة حضر ذلك.
ومنها أيضاً أن من ثبت في كتابه سماعُ غيره فقبيح به كتمانُه إياه ومنعُه نقل سماعه منه أو نسخ الكتاب.
تسوية:
التسوية لها في اصطلاح المحدثين ثلاثة معان:
الأول: تدليس التسوية، ويأتي شرحه.
والثاني: التسوية التي ليست بتدليس، وهي حذف المحدث راوياً ممن بين شيخه والصحابي، بحيث لا يكون تدليساً، وذلك بأن يصير السند بعد حذف ذلك الراوي منقطعاً ظاهر الانقطاع، وتسمية هذا النوع تقصيراً أولى من تسميته تسوية، وقَلَّ بين المتقدمين من العلماء من يستعمل التسوية بهذا المعنى.
والثالث: هو تغيير الأسانيد الساقطة أو النازلة بالزيادة والنقص والتبديل ونحو ذلك، بحيث تكون مقبولة أو مرغوباً فيها، وهذا صنيع الكذابين واللاعبين، ومن هذا المعنى وصفهم بعض المجروحين بأنه كان يسوّي الأسانيد.
فهذه معاني التسوية.
¥