تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أما بعد، فإن كتاب (الكمال في أسماء الرجال) الذي ألفه الحافظ الكبير أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي، وهذبه الحافظ الشهير أبو الحجاج يوسف بن الزكي المزي: من أجل المصنفات في معرفة حملة الآثار وضعاً، وأعظم المؤلفات في بصائر ذوي الألباب وقعاً، ولا سيما التهذيب، فهو الذي وفق بين اسم الكتاب ومسماه، وألف بين لفظه ومعناه؛ بيد أنه أطال وأطاب، ووجد مكان القول ذا سعة فقال وأصاب؛ ولكن قصرت الهمم عن تحصيله لطوله، فاقتصر بعض الناس على الكشف من الكاشف الذي اختصره منه الحافظ أبو عبد الله الذهبي.

ولما نظرت في هذه الكتب وجدت تراجم (الكاشف) إنما هي كالعنوان تتشوق النفوس الى الإطلاع على ما وراءه، ثم رأيت للذهبي كتاباً سماه (تذهيب التهذيب)، أطال فيه العبارة، ولم يَعْدُ ما في التهذيب غالباً، وإن زاد ففي بعض الأحايين، وفياتٍ بالظن والتخمين، أو مناقب لبعض المترجمين، مع إهمال كثير من التوثيق والتجريح، اللذين عليهما مدار التضعيف والتصحيح.

هذا وفي التهذيب عدد من الأسماء لم يعرِّف الشيخ بشيء من أحوالهم، بل لا يزيد على قوله: (روى عن فلان، روى عنه فلان، أخرج له فلان)؛ وهذا لا يروي الغلة، ولا يشفي العلة؛ فاستخرت الله تعالى في اختصار التهذيب على طريقة أرجو الله أن تكون مستقيمة، وهي: أنني أقتصر على ما يفيد الجرح والتعديل خاصة، وأحذف منه ما أطال به الكتاب من الأحاديث التي يخرجها من مروياته العالية من الموافقات والأبدال وغير ذلك من أنواع العلو، فإن ذلك بالمعاجم والمشيخات أشبه منه بموضوع الكتاب، وإن كان لا يلحق المؤلف من ذلك عاب؛ حاشا، وكلا، بل هو والله العديم النظير، المطلع النحرير، لكن العمر يسير والزمان قصير، فحذفت هذا جملة، وهو نحو ثلث الكتاب.

ثم إن الشيخ رحمه الله قصد استيعاب شيوخ صاحب الترجمة، واستيعاب الرواة عنه، ورتب ذلك على حروف المعجم في كل ترجمة، وحصل من ذلك على الأكثر، لكنه شيء لا سبيل إلى استيعابه، ولا حصره، وسببه انتشار الروايات وكثرتها وتشعبها وسعتها، فوجد المتعنت بذلك سبيلاً إلى الاستدراك على الشيخ بما لا فائدة فيه جليلة ولا طائلة، فإن أجل فائدة في ذلك هو في شيء واحد، وهو إذا اشتهر أن الرجل لم يرو عنه خلا واحد، فإذا ظفر المفيد له براو آخر أفاد رفع جهالة عين ذلك الرجل برواية راويين عنه، فتتبع مثل ذلك والتنقيب عليه مهم؛ وأما إذا جئنا إلى مثل سفيان الثوري وأبي داود الطيالسي ومحمد بن اسماعيل وأبي زرعة الرازي ويعقوب بن سفيان وغير هؤلاء ممن زاد عدد شيوخهم على الألف فأردنا استيعاب ذلك تعذر علينا غاية التعذر، فإن اقتصرنا على الأكثر والأشهر بطل ادعاء الاستيعاب، ولا سيما إذا نظرنا إلى ما روي لنا عن من لا يُدفَع قوله: أن يحيى بن سعيد الأنصاري راوي حديث الأعمال حدث به عنه سبعمئة نفس، وهذه الحكاية ممكنة عقلاً ونقلاً، لكن لو أردنا أن نتتبع من روى عن يحيى بن سعيد فضلاً عن من روى هذا الحديث الخاص عنه، لما وجدنا هذا القدر ولا ما يقاربه، فاقتصرت من شيوخ الرجل ومن الرواة عنه إذا كان مكثراً على الأشهر والأحفظ والمعروف.

فإن كانت الترجمة قصيرة لم أحذف منها شيئاً في الغالب، وإن كانت متوسطة اقتصرت على ذكر الشيوخ والرواة الذين عليهم رقم في الغالب؛ وإن كانت طويلة اقتصرت على من عليه رقم الشيخين مع ذكر جماعة غيرهم، ولا أعدل عن ذلك إلا لمصلحة، مثل أن يكون الرجل قد عُرف من حاله انه لا يروي إلا عن ثقة، فإنني أذكر جميع شيوخه أو أكثرهم، كشعبة ومالك وغيرهما.

ولم ألتزم سياق الشيخ للرواة في الترجمة الواحدة على حروف المعجم، لأنه لزم من ذلك تقديم الصغير على الكبير، فأحرص على أن أذكر في أول الترجمة أكبر شيوخ الرجل وأسندهم وأحفظهم، إن تيسر معرفة ذلك، إلا أن يكون للرجل ابن أو قريب، فإنني أقدمه في الذكر غالباً، وأحرص على أن أختم الرواة عنه بمن وصف بأنه آخر من روى عن صاحب الترجمة، وربما صرحت بذلك.

وأحذف كثيراً من أثناء الترجمة، إذا كان الكلام المحذوف لا يدل على توثيق ولا تجريح، ومهما ظفرت به بعد ذلك من تجريح وتوثيق ألحقته. وفائدة إيراد كل ما قيل في الرجل من جرح وتوثيق تظهر عند المعارضة، وربما أوردت بعض كلام الأصل بالمعنى مع استيفاء المقاصد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير