قال أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل في (إتحاف النبيل بأجوبة أسئلة المصطلح والجرح والتعديل) (1/ 45 - 46): «وأما ابن حجر من جهة تصحيح الأحاديث والكلام عليها، فهو إلى التساهل أقرب، وقد بان لي هذا جلياً عند تحقيقي للفتح، فكم من حديث يضعف صاحبه في التقريب، ومع ذلك يحكم على سند الحديث – وهو من طريقه – بأنه حسن أو صحيح 0000
والحافظ ابن حجر رحمه الله على سعة اطلاعه وكثرة استفادة طلبة العلم منه ومن كتبه، يتساهل، وقد يحكم على الرجل في (التقريب) مثلاً بأنه صدوق، ويحكم عليه في (التلخيص الحبير) بأنه ضعيف جداً أو ضعيف أو 0000
فلو جمعنا بين كلامه في (التلخيص) وفي (الدراية) وفي (الفتح)، وجدناه يخالف كلامه في (التقريب) في مواضع كثيرة».
وقال أيضاً (1/ 157) في جوابه على سؤال من سأل عن معنى سكوت ابن حجر على الحديث في (فتح الباري) و (تلخيص الحبير):
«وأما عن (التلخيص) فلم أقف على شرط له فيه، وفيه أحكام على أحاديث ورجال ينازع فيها؛ وقد قال الشيخ الألباني---- في (الضعيفة) (3/ 513): (ما أكثر تناقض كلام الحافظ في التلخيص مع كلامه في غيره، وهو الحافظ النقاد؛ الأمر الذي يحملني على أن أعتقد أنه من أوائل مؤلفاته، وأنه لم يتح له أن يعيد النظر فيه. ا. هـ انظر (3/ 617)».
ولكن الأخ مصطفى وهم في هذا النقل فكلام الشيخ الألباني هناك إنما كان في الحافظ الذهبي وفي كتابه (تلخيص مستدرك الحاكم) لا في ابن حجر وكتابه (التلخيص الحبير)؛ ومثله ما في الموضع الذي أحال عليه من الضعيفة أي (3/ 617).
وقال مؤلفا (تحرير التقريب) (1/ 15): «ولم نكن نعلم أن هذه الأحكام اجتهادية قابلة للأخذ والرد وليست قطعية (1) 000 ولم نتبين أن ابن حجر يتناقض في أحكامه تناقضاً عجيباً [كذا قالا] فهو يوثق الرجل هنا أو يضعفه، ويضعفه أو يوثقه في كتاب آخر».
أقول: ينبغي أن يفرق في هذا المقام بين نوعين من التناقض والاختلاف عند ابن حجر:
النوع الأول: تناقضه واختلافه في كتبه التي ألفها في الجرح والتعديل؛ والحق أن هذه الكتب إن لم تكن خالية من التناقض فهي تكاد تخلو منه، وإن وقع فيها شيء من اختلاف فاختلاف قريب محتمل له وجهه، وله أسبابه ودواعيه، وشأن ابن حجر فيه كشأن سائر أهل العلم في علمهم.
النوع الثاني: تناقضه واختلافه في كتبه عامة؛ فإنه يَرِدُ في بعض كتبه في التخريج كـ (التلخيص الحبير) أو في الشرح كـ (الفتح) أحكام على بعض الرواة أو الأحاديث مخالفة لما في كتبه في الرجال، وبعض تلك الأحكام يكون لابن حجر فيها عذر قريب محتمل وبعضها لا يقبل منه (2).
والغالب على ابن حجر عندما كان يتكلم على الراوي في كتاب من كتب التخريج أو الشروح أو الأجزاء الحديثية التي ألفها أنه كان في كثير من تلك الأحكام مائلاً في حكمه على ذلك الراوي إلى حاله في حديثه المعين الذي هو بصدد الكلام عليه نقداً أو شرحاً، أو مائلاً إلى ما يقتضيه المقام أو يأذن به من تشدد أو تساهل بسبب ما وقع فيه من المقارنات أو لوحظ فيه من الأحوال أو حفه من الأمور والقرائن؛ وهذا بخلاف شأنه في كتبه المختصة بنقد الرواة فيكاد كلامه فيها يكون مقصوراً على النظر في حال الراوي في الجملة دون الالتفات إلى ما قد يؤثر في ذلك الحكم من موازنة براو آخر أو ملاحظة بعض أحاديث المترجم أو غير ذلك.
وينبغي أن يكون الضابط في هذا الباب هو أنه إذا اختلف كلام ابن حجر في الرجال في مواضع من كتبه، فإن أمكن الجمع الصحيح بين كلماته فهو المخرج، وإلا فالمعتمد هو قوله في كتبه المختصة بالرجال، دون قوله في غيرها من كتبه، ككتب التخريج وغيرها، هذا هو الأصل ولا مانع من الخروج عنه في بعض المواضع لدليل يقتضي ذلك الخروج.
المأخذ الثاني
اضطرابه تجاه توثيق ابن حبان والعجلي وابن سعد وأضرابهم
¥