تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(14) إن كان المراد أنه يطلق لفظة (صدوق) على من هو صدوق عنده ولكنه ثقة عند غيره فليس على ابن حجر في ذلك عاب ولا لوم وليس قول أحد من المجتهدين حجة على مجتهد آخر، وإن كان المراد أنه يطلق لفظة (صدوق) على من هو ثقة عنده، فكيف يُعْرف ذلك؟ والصحيح أنه إن وقع شيء من هذا القبيل في صنيع ابن حجر فهو اضطراب في الأحكام لا في الألفاظ؛ وهذا بين ظاهر؛ فإن الذي ينبغي أن يقال هنا هو أننا إذا رأينا ابن حجر أو غيره من النقاد يستعمل لفظة (صدوق) في مرات كثيرة على من هو عند التحقيق ثقة، أو على من هو عند التحقيق لا يرتقي الى رتبة الصدوق، فإن هذا لا يلزم منه وصف ذلك الناقد بالإضطراب أو الإضطراب الشديد – في استعمال المصطلحات – ولا سيما في حق المتأخرين من النقاد ـ وابن حجر منهم ـ فإنهم كانوا يبالغون في تعيين المصطلحات وضبطها وتحديدها وتقسيمها وتوحيد معنى كل مصطلح منها؛ وإنما يحمل ذلك على أنه مضطرب في قواعده في النقد أو في أحواله في التساهل والتشدد والاعتدال، أو أنه متفاوت في سعة اطلاعه على أحوال الرواة وما قيل فيهم.

ولما كان ابن حجر قد عين مقاصد ألفاظه ومعانيها – ولو كان ذلك في بعضها على وجه التقريب والإجمال - فقد زال احتمال اضطرابه فيها، ولا سيما في مثل هذا الكتاب المحرر المختصر المرتب الوجيز. فلم يبق إلا الاحتمالات الأخرى، ويظهر أن ابن حجر قد وقع في شيء يسير منها.

وقد أفردت معاني وأحكام مراتب النقد في التقريب ببحث يأتي في موضعه من هذا الكتاب.

(15) أما المراتب الثلاث الأولى فهي محددة منضبطة فالأولى الصحابة وشرطه فيهم واضح وكذلك شرط الجمهور؛ والمرتبتان اللتان تليانها منضبطتان أيضاً فإن مدار وصفه لهما كان على كلمة (ثقة)، فالثانية من مراتبه: من أكد توثيقه، والثالثة من أفرد وصفه بالتوثيق أو ما يساويه. نعم هو لم يذكر ضابطاً واضحاً لكلمة (ثقة) ولم يبينها بياناً شافياً ولم يذكر حدها وإنما أغفل ذلك لإشتهار معناها بين الناس وانضباطه عندهم، فالثقة هو العدل الضابط التام الضبط. وأما الرابعة من مراتبه وهي من قصر عن درجة الثالثة قليلاً، فليست منضبطة، لأنه لم يبين مقدار ذلك القليل، ولكنه لعله معذور لصعوبة التحديد الدقيق التام المفصل.

(16) ذكر مؤلفا (تحرير التقريب) (1/ 15 - 16) أنهما قد أضافا في التعليقات على (تهذيب الكمال) زيادات مهمة في الجرح والتعديل وأنهما وازنا بين الأقوال واستخلصا تبعاً لذلك ما هو أقرب إلى الصواب منها، وأنهما أدركا بذلك ما في (التقريب) من قصور شديد يستغرب مثله من ابن حجر.

كذا قالا، والحق أن في الكتاب قصوراً إلا أنه ليس شديداً ولا غريباً، وهذا من التهويل الذي ينبغي أن يجتنب.

(17) لقد بالغ مؤلفا (التحرير) بإلغاء أكثر ما قاله ابن حبان وغيره من العبارات التي يشيرون بها إلى اتصاف راو ثقة أو صدوق بالإغراب أو الوهم أو المخالفة أو الخطأ، وكانا يبطلان اثر هذه الإشارات والاستثناءات بنحو قولهما (الثقة يخطئ) أو (كل أحد يهم) أو (الخطأ النادر لا يضر) أو (ليس الثقة بمعصوم) أو (هذا تعنت) أو (هذا لا يمنع إطلاق توثيقه) أو نحو هذه العبارات.

وليس هذا الصنيع منهما بجيد، واليك بعض أقوال ابن حجر والمعلمي في هذه الأنواع من استثناءات ابن حبان:

قال ابن حجر في (النكت) (2/ 678) في بعض الرواة: «وأما ذكر ابن حبان له في (الثقات)، فإنه قال فيه مع ذلك: (كان يخطئ)، وذلك مما يتوقف به عن قبول أفراده».

وقال في (مقدمة الفتح) (ص621) في مقدم بن محمد: «وثقه أبو بكر البزار والدارقطني وابن حبان، لكن لما ذكره في (الثقات) قال: (يغرب ويخالف)، فهذا إن كثر منه حكم على حديثه بالشذوذ».

وقال في (نتائج الأفكار) (1/ 59) ـ طبعة بغداد: «لم أقف في موسى على تجريح ولا تعديل، إلا أن ابن حبان ذكره في (الثقات) وقال: يخطئ، وهذا عجيب منه لأن موسى مقل فإذا كان يخطئ مع قلة روايته فكيف يوثق ويصحح حديثه؟ فلعل من صححه أو حسنه تسمح لكون الحديث من فضائل الأعمال».

وقال المعلمي في (التنكيل) (ص712): «وقد قدمنا في ترجمة ابن حبان أن توثيقه لمن عرفه من أثبت التوثيق، وقوله (ربما أخطأ) لا ينافي التوثيق، وإنما يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو اثبت منه».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير