تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فابن حجر كغيره من العلماء وقع منه تقليد لغيره في كثير من مباحث ومسائل العلوم التي اختارها أو قررها.

وهذا لا ينافي ما تقدم من وصفي له بكثرة الاجتهاد، فالاجتهاد درجات كثيرة، وأنا لم أصفه بالاجتهاد المطلق؛ ولكني أثبت له الاجتهاد الذي أريد به أصل الاجتهاد؛ وكل من يحسن الاجتهاد ويبذل جهده من أجل معرفة الحق في كل مسألة من مسائل العلم الشرعي المطلوب ولم يركن إلى التقليد إلا عند الضرورة فهو مجتهد وإن وقع منه تقليد لغيره في أحيان كثيرة؛ ثم إن العالم المكثر جداً كابن حجر لا مانع من أن يكون كثير الاجتهاد وكثير التقليد وذلك لكثرة كلامه في العلوم وغزارة تأليفه فيها، فهو مجتهد في بعض علمه مقلد لغيره في بعضه الآخر.

ثم إن التقليد، في نفسه، ليس بعيب في الرجل إذا احتاجه، وإنما العيب التعصب لمذهب أو شيخ أو رأي والعيب الإعراض عن أدلة الوحيين أو تقديم آراء الرجال عليها أو الاسترواح إلى التقليد مع القدرة على الاستغناء عنه.

ومن المهم في معرفة منهج ابن حجر في نقد الأحاديث ورواتها معرفة مقدار اعتماده على أقوال من تقدمه من العلماء وقوة استناده إليها وهيئة متابعته لها وكيفية اختياره ما يختاره منها ومعرفة مظان اجتهاده وتقليده في هذا الفن، وذلك يحتاج إلى استقراء واسع وبحث عميق.

ولكن مما يعين على ذلك ويمهد الطريق إليه أن يجمع نقده لمن سبقه من علماء الفن وكتبه؛ ويجمع أيضاً ما قاله المحققون من العلماء والباحثين في موقف ابن حجر ممن تقدمه من علماء الحديث؛ فإليك هذه الشذرات مما وقفت عليه من ذلك ومما يناسبه.

1 - قال المعلمي في تعليقه النفيس على (موضح أوهام الجمع والتفريق) للخطيب (1/ 212): «والمزي وابن حجر يغلب عليهما متابعة ما يذهب إليه الخطيب في كتابه هذا».

وقال في مقدمته على الكتاب المذكور (1/ 14) بعد أن ذكر جملة طيبة من أعذار البخاري ومسائل مهمة في الدفاع عنه وتبرئته من أكثر ما نسبه إليه الخطيب من أوهام في (تاريخه الكبير): «قدمت هذا الفصل هنا لأحيل عليه في التعليقات كما ستراه وترى بقية الأجوبة عن أكثر تلك القضايا التي سماها الخطيب أوهاماً. ومما يجب التنبه له أن المزي وابن حجر وغيرهما قد يقلدون الخطيب ويذكرون أن البخاري وهِمَ ولا يبينون شيئاً مما بينته. ولا يذكرون ما استدل به الخطيب».

2 - كان ابن حجر يقلد مغلطاي أحياناً، وقد تقدم التنبيه على ذلك.

3 - قال ابن حجر في ابن سعد في (مقدمة الفتح) (ص585): «فإن مادته من الواقدي في الغالب، والواقدي ليس بمعتمد».

وقال فيها (ص618) في ترجمة محارب بن دثار، وهو أحد الأئمة الأثبات: «وقال ابن سعد لا يحتجون به. قلت: بل احتج به الأئمة كلهم، وقال أبو زرعة: مأمون، ولكن ابن سعد يقلد الواقدي، والواقدي على طريقة أهل المدينة في الانحراف على أهل العراق، فاعلم ذلك ترشد إن شاء الله».

وقال فيها (ص585) في ترجمة عبد الرحمن بن شريح: «وشذ ابن سعد فقال: منكر الحديث. قلت: لم يلتفت أحد إلى ابن سعد في هذا، فإن مادته من الواقدي في الغالب، والواقدي ليس بمعتمد (1)».

4 - قال الذهبي في الموقظة (ص): «وقولهم (مجهول) لا يلزم منه جهالة عينه، فإن جهل عينه وحاله فأولى أن لا يحتجوا به، وإن كان المنفرد عنه من كبار الأثبات فأقوى لحاله، ويحتج بمثله جماعة كالنسائي وابن حبان».

وقال في الميزان (4/ 583) في بعض التابعين: «لا يعرف، لكن احتج به النسائي على قاعدته».

وقال الزيلعي في (نصب الراية) (1/ 333): «والنسائي وابن حبان وغيرهما يحتجون بمثل هؤلاء مع أنهم ليسوا مشهورين بالرواية، ولم يرو واحد منهم حديثاً ليس له شاهد ولا متابع حتى يجرح بسببه، وإنما رووا ما رواه غيرهم من الثقات».

وقال المعلمي في (التنكيل) (2/ 164) في كلام له في بعض الرواة: «وتوثيق النسائي معارض بطعن البخاري، على أن النسائي يتوسع في توثيق المجاهيل كما تقدم في القواعد».

وقال ابن الصلاح في (المقدمة) (ص39 - 40): «حكى أبو عبد الله الحافظ أنه سمع محمد بن سعد الباوردي بمصر يقول: كان من مذهب أبي عبد الرحمن النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه 000».

فقال العراقي فيما نقله عنه السيوطي في (زهر الربى) (1/ 10): «هذا مذهب متسع».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير