ومع ذلك فليس ابن تيمية بالمعصوم ولا هو في نقد الحديث مثل أئمته المتقدمين ولا مثل علماء العلل المشهورين؛ وأنا لا أقول إن كلام ابن حجر يهدر من أصله، ولكنني أقول: إن فيه مبالغة؛ والله أعلم.
12 - أكثر ابن حجر من الاعتماد على ابن يونس في أهل مصر والمغرب (14)، وقد صرح في مواضع كثيرة من كتبه بأنه إليه المرجع فيهم، مثل قوله في (التعجيل) (ص62 - 63): «هو أعلم الناس بالمصريين» وقوله في (تهذيب التهذيب) (6/ 218): «وإليه المرجع في معرفة أهل مصر والمغرب».
وانظر (التعجيل) أيضاً (ص389) و (تحرير التقريب) (1/ 266) و (3/ 49).
ولعل الذي دفع ابن حجر إلى كثرة اعتماده على ابن يونس في أهل مصر والمغرب بالإضافة إلى كونه عالماً بهم كثرة أوهام المشرقيين فيهم؛ قال الشيخ أحمد محمد شاكر في شرح (سنن الترمذي) (1/ 67): «وأهل بلد الرجل أعرف به وأعلم، والذي ظهر لي بالتتبع أن كثيراً من علماء الجرح والتعديل من أهل المشرق كانوا أحياناً يخطئون في أحوال الرواة والعلماء من أهل المغرب: مصر وما يليها إلى الغرب».
وابن يونس حافظ يقظ كما وصفه الذهبي في (السير) (14/ 132 - 133)، ولكني وجدته يتساهل في إطلاق التوثيق التام على جماعة ممن حق أحدهم أن لا يزاد فيه على كلمة (صدوق).
وكذلك ينبغي مراعاة القرائن المقتضية أحياناً لتقديم قول غير ابن يونس في بعض المصريين على قوله فيهم.
13 - قال ابن حجر في ترجمة أحمد بن عبيد الله العنبري من (اللسان): «وابن القطان يتبع ابن حزم في إطلاق التجهيل على من لا يطلعون على حاله».
وقال ابن حجر في ترجمة عبد العزيز بن المختار البصري من (مقدمة الفتح) (ص590): «وثقه ابن معين في رواية ابن الجنيد وغيره، وقال في رواية ابن أبي خيثمة عنه: ليس بشيء» إلى أن قال: «قلت: احتج به الجماعة، وذكر ابن القطان الفاسي أن مراد ابن معين بقوله في بعض الروايات (ليس بشيء) يعني أن أحاديثه قليلة جداً».
قلت: هكذا أقر ابن حجر ابن القطان على كلمته هذه، وفيها نظر بينته على وجه التفصيل في غير هذا الكتاب.
14 - وأما موقف ابن حجر من كلام ابن حبان والعجلي في الرواة فانظره في المأخذ الثاني من باب المآخذ على ابن حجر.
تكميل:
وأذكر الآن في نهاية هذا الفصل هاتين المسألتين تكميلاً لمقاصده:
المسألة الأولى: قال ابن الصلاح في مقدمته: «اطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة او الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث»؛ فعلق عليه ابن حجر في (النكت) (2/ 674) بقوله: «وهذا مما ينبغي التيقظ له، فقد أطلق الإمام احمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده».
قلت: هذا مما قد يبين موقف ابن حجر من أقوال بعض الأئمة في بعض الأقوياء أو المختلف فيهم من الرواة: (روى مناكير) أو (أحاديثه منكرة) أو (منكر الحديث) ونحو ذلك.
المسألة الثانية: فرق بعض العلماء كالمعلمي بين قول النسائي في الراوي (ليس بقوي) وقوله فيه (ليس بالقوي) (15)؛ ويظهر أن هذا التفريق هو مذهب ابن حجر في هذه المسألة؛ قال الكوثري في بعضهم: (ليس بقوي عند النسائي) فاستدرك عليه المعلمي في (التنكيل) (ص442) بقوله: «أقول: عبارة النسائي (ليس بالقوي)، وبين العبارتين فرق لا أراه يخفى على الأستاذ ولا على عارف بالعربية، فكلمة (ليس بقوي) تنفي القوة مطلقاً وإن لم تثبت الضعف مطلقاً؛ وكلمة (ليس بالقوي) إنما تنفي الدرجة الكاملة من القوة؛ والنسائي يراعي هذا الفرق فقد قال هذه الكلمة في جماعة أقوياء منهم عبد ربه بن نافع وعبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، فبين ابن حجر في ترجمتيهما من (مقدمة الفتح) أن المقصود بذلك أنهما ليسا في درجة الأكابر من أقرانهما؛ وقال في ترجمة الحسن بن الصباح: (وثقه أحمد وأبو حاتم، وقال النسائي: صالح، وقال في الكنى: ليس بالقوي؛ قلت (16):هذا تليين هين، وقد روى عنه البخاري وأصحاب السنن إلا ابن ماجه ولم يكثر عنه البخاري)».
‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘ ‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘إإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإ إإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإإ
الهوامش:
¥