ج - عن محمد بن سيرين عن يحيى بن الجزار قال: صلى ابن مسعود وعلى بطنه فرث ودم من جزور نحرها ولم يتوضأ " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الكبير ولم يثبت سماع يحيى بن الجزار عن ابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -.
وهذا النصوص يمكن الجواب عنها بأجوبة:
الأول: ان يقال هذا محمول على ما يمكن الاحتراز منه كما في قصة عمر والأنصاري رضي الله عنهما.
الثاني: ان يكون شيئا يسيراً معفوا عنه كما في أثر ابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - إذا صح الأثر.
الثالث: أن يقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يأمر الصحابي بالإعادة لكونه يصلي نافلة ولا يلزمه الإعادة.
3 - السبب الثالث: أن من رأى طهارته ربط ذلك بدم السمك وذلك أن ابن رشد ذكر أن سبب الخلاف في نجاسة دم السمك مبني على اختلافهم في ميتته فمن جعل ميتته داخلة تحت عموم التحريم جعل دمه كذلك ومن أخرج ميتته أخرج دمه قياساً على الميتة وقد استند إلى هذا الشيخ المحدث الألباني رحمه الله، لكن هذا خطأ فليس السبب ما ذكره ابن رشد لأن العلماء متفقون على حل ميتة السمك، وإنما سبب الخلاف هو اختلافهم في طبيعة دم السمك هل هو دم حقيقي أولا فالذي ينجسه _ من الشافعية والمالكية وأبي يوسف من الحنفية _ يقول هو دم حقيقي والذي رأى طهارته _ وهم الجمهور _ يقول ليس حقيقياً لأن الدم الحقيقي إذا شمس يسود ودم السمك إذا شمس يبيض.
فهذه أربعة أسباب للخلاف في هذه المسألة.
وأما ما ذكرته يا شيخ أبا الفضل من حمل المطلق على المقيد فهذا في مسألة التحريم والإباحة لا في مسألة الطهارة والنجاسة.
وأما مسألة حمل المطلق على المقيد ففيها تفصيل فالمطلق مع المقيد له أربع حالات ذكرها أهل العلم وهي:
الحالة الأولى: أن يتحد المطلق والمقيد في الحكم والسبب الذي من أجله شرع الحكم وهذا له صورتان:
الصورة الأولى أن يكون الاطلاق والتقييد في السبب:
مثال ذلك: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال فرض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة " متفق عليه
جاء في رواية اخرى زيادة " من المسلمين " وهي رواية مالك وغيره عن نافع.
فالحكم هنا: وجوب صدقة الفطر.
والسبب هنا: وجود نفس يمونها المسلم.
وقد حصل الاطلاق والتقييد في السبب فتارة جاء أن النفس التي يمونها المسلم مطلقة مسلمة وغير مسلمة وجاء في الرواية الخرى مقيدا بكونها مسلمة.
فهنا اختلف في حمل المطلق على المقيد على قولين:
- فذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى حمل المطلق على المقيد وعليه فلا يخرج زكاة الفطر إلا عن عبده المسلم.
- وذهب أبو حنيفة إلى أنه يخرج عن عبده المسلم والكافر فلم يحمل المطلق على المقيد هنا.
الصورة الثانية أن يكون الاطلاق والتقييد في الحكم:
مثاله: المثال المذكور في هذه المسألة وهو أنه وجد تحريم الدم مطلقا في قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم .. } ومقيدا في قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم}
فهنا الحكم واحد وهو تحريم تناول الدم.
والسبب واحد وهو حصول الأذى والضرر.
فقد اتحد الحكم والسبب وحصل الاطلاق والتقييد في الحكم الذي هو الدم فتارة جاء مطلقا وتارة مقيدا بالمسفوح.
وهذه الصورة يحمل فيها المطلق على المقيد عند الأكثرر بل نقل بعضهم الاتفاق عليها.
الحالة الثانية: أن يختلف المطلق والمقيد في الحكم والسبب الذي من أجله شرع الحكم.
ومثاله: قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} وقوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}
فهنا الحكم مختلف فهو في الآية الأولى القطع وفي الثانية الغسل.
والسبب مختلف فهو في الآية الأولى السرقة وفي الثانية رفع الحدث أو إرادة رفع الحدث.
وفي هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد باتفاق فلا يقال تقطع اليد من المرفق حملا على المقيد في الوضوء.
الحالة الثالثة: أن يتحد المطلق والمقيد في السبب ويختلفا في الحكم.مثاله: قوله تعالى في التيمم: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} وقوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}
فهنا السبب واحد وهو إرادة رفع الحدث فيهما.
والحكم مختلف فهو في الأولى مسح اليد وفي الثانية غسل اليد.
والحكم في هذه الحالة أنه لا يحمل المطلق على المقيد عند الجمهور فلا يقال يمسح في التيمم إلى المرفقين.
الحالة الرابعة: أن يتحد المطلق والمقيد في الحكم ويختلفا في السبب.مثاله: قوله تعالى في كفارة الظهار: {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} وقال في كفارة القت الخطأ: {فتحرير رقبة مؤمنة}
فهنا الحكم واحد وهو تحرير الرقبة
والسبب مختلف فهو في الآية الأولى العود بعد الظهار وفي الآية الثانية القتل الخطأ.
فهل يحمل المطلق على المقيد هنا ونشترط في كفارة الظهار أن تكون الرقبة مؤمنة أولا؟ اختلف في هذا على قولين:
القول الأول: انه لا يحمل المطلق على المقيد هنا فلا يشترط في كفارة الظهار أن تكون الرقبة مؤمنة وهذا هو قول الحنفية ورواية عن أحمد اختارها ابن شاقلا ونسب القرافي هذا القول لأكثر المالكية.
القول الثاني: يحمل المطلق على المقيد هنا فيشترط في كفارة الظهار أن تكون الرقبة مؤمنة ثم اختلفوا في وجه الحمل على قولين:
أحدهما: أنه يحمل من جهة اللفظ وبهذا قال أكثر المالكية وبعض الشافعية والقاضي أبو يعلى من الحنابلة.
والثاني: يحمل من جهة القياس وهو قول الشافعي وأكثر اصحابه وهو الرواية الثانية عن أحمد اختارها ابو الخطاب وبه قال ابن الحاجب من المالكية.
ولعل هذا القول هو الأظهر ووجهه ان المطلق هنا يقتضي العموم والعموم يجوز تخصيصه بالقياس عند الجمهور فكذا يجوز تقييد المطلق بالقياس هنا والله أعلم
¥