تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن هل يمكن قيام تعارض بين العقل المكتسب من الخبرة الإنسانية وبين أحكام الوحي؟، ومرد هذا التساؤل هو آحادية النظر التي سادت قسماً لا يستهان به من المناهج الفقهية، إذ تتصور هذه المناهج أن الأحكام يمكن تحصيلها من خلال التعامل مع نصوص مفردة مجتزئة عن أصولها الكلية وقواعدها التشريعية، فمن هنا أخذوا يفرضون هذا الافتراض.

في حين أن كثيراً من الأحكام هي أحكام تحتاج الى إعمال العقل والنظر في استخراجها، ومجالات العقل المكتسب تنحصر في ثلاثة قطاعات:

(1) الوجود الكلي المغيب عن الوجود الحسي، كالحكم بأن النفوس تبعث وتحاسب يوم القيامة والإيمان بالملائكة والجنة والنار.

(2) الوجود الإنساني الاجتماعي، كالحكم بأن الصدق حسن والكذب قبيح.

(3) الوجود الطبيعي المشاهد، كالحكم بأن الأشياء تسقط بفعل الجاذبية وأن كثافة الزئبق أعلى من كثافة الماء [( http://www.ibadhiyah.net/articles/00003.htm#_ftn1)

بالنسبة إلى الوجود الكلي المغيب فلا يمكن للعقل المكتسب أن يحكم فيه شيئاً، بل عليه أن يسلم فيه للوحي، فالخضوع فيه كلياً للوحي الإلهي المقطوع به، ومجال العقل هنا هو دراسة النصوص الثابتة فيها واستخراج أصولها وقواعدها (=المحكم) ورد ما تشابه منها إلى هذه المحكمات، قال الله تعالى} هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب {.

والعجيب أن المسلمين عبر تاريخهم الطويل خاضوا في دائرة الوجود الغيبي وفيها اختلفو حول إعمال العقل، بينما تركوا تماماً مجال إعمال العقل في دائرتي الوجود الإنساني الطبيعي والاجتماعي!.

وتبقى المشكلة (=من الناحية النظرية فحسب!) في الوجود الطبيعي والاجتماعي، فهل هناك تعارض بين أحكام الوحي وبين تجليات الواقع المشهود الطبيعي والاجتماعي؟!.

الحقيقة أن التعارض ليس بين العقل والنقل كما يصوره البعض، بل بين عقلين:

(1) عقل يرى عدم إقحام العقل في فهم النص، ويصر في الوقت ذاته على حرفيته، مؤداه في النهاية اعتبار الجزئي ورفض الكلي، واعتبار الظني وترك القطعي.

(2) وعقل يرى في النص إطاراً مرجعياً يتألف من منظومة من القواعد والأحكام استنبطها العقل من خلال النظر في آيات الله في الوحي (= كتاب ناطق وسنة متبعة) وآيات الكون، ثم استبطنها (=استحضرها) في تفسير وتأويل الألفاظ، يحاكم النصوص والأحكام الجزئية إليها.

الصراع الوهمي:

حفل تاريخنا الفقهي بتساؤلات حول أيهما الحاكم: الشرع أم العقل؟، ودار الصراع فيه بين الأشاعرة والمعتزلة، موقف يذهب أقصى اليمين، وآخر يذهب أقصى اليسار، أنقل في هذا المقام نصين: لعالم معتزلي وآخر أشعري.

- قال القاضي عبدالجبار المعتزلي في "طبقات المعتزلة" ص 139 عن العقل: (يميز به بين الحسن والقبيح، ولأن به يعرف أن الكتاب والسنة والإجماع، وربما تعجب من هذا الترتيب بعضهم، فيظن أن الأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع فقط، أو يظن أن العقل إذا كان يدل على أمور فهو مؤخر، وليس الأمر كذلك لأن الله تعالى لم يخاطب إلا أهل العقل، ولأن به يعرف أن الكتاب حجة، وكذلك السنة والإجماع، فهو الأصل في هذا الباب، وإن كنا نقول: إن الكتاب هو الأصل من حيث إن فيه التنبيه على ما في العقول، كما أن فيه الأدلة على الأحكام).

- وقال الجويني الأشعري في "الإرشاد" ص 228: (العقل لا يدل على حسن شيء ولا قبحه في حكم التكليف، إنما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع وموجب السمع، وأصل القول في ذلك أن الشئ لا يحسن لنفسه وجنسه وصفة لازمة له، وكذلك القول فيما يقبح، وقد يحسن في الشرع ما يقبح مثله في المساوي له في جملة أحكام صفات النفس).

نرى أن القاضي عبد الجبار:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير