ثانياً: أن الأصل هو عدم قبول شهادتهم، ولذلك يرى بعض فقهاء الحنفية رحمهم الله أن شهادتهم على بعضهم جائزة لمكان الحاجة والضرورة، ولم يقو دليل القائلين بالقبول على معارضة ذلك الأصل، أو رفعه.
ثالثاً: أن دليل من قال بقبول شهادتهم يجاب عنه بما يلي:
1 - أما دليلهم من الكتاب فإنهم يرون أن جواز شهادة الكتابي على مثله مبني على جواز شهادته على المسلم في الوصية في السفر، وأن الأصل منسوخ.
فعلى قولهم هذا ينبغي عدم اعتبار شهادة الكتابي على مثله، لأن النص الذي يرونه ناسخاً لآية الوصية عام شامل للكافر الكتابي وغيره.
2 - أما دليلهم من العقل فيجاب عنه بأنه قياس فاسد الإعتبار لأنه قياس في مقابلة نص وهو آية الإستشهاد التي استدل بها الجمهور في عدم قبول شهادة الكافر مطلقاً.
وأما استدلالهم بالنظر في الوجه الثاني فيجاب عنه بأن ضياع حقوقهم غير مسلم على إطلاقه، لأن حوادثهم إذا كانوا أهل ذمة منها ما يقع بحضرة المسلمين، ومنها ما يقع بينهم.
فما وقع بحضرة المسلمين يمكنهم إثباته بشهادة المسلمين، وما وقع فيما بينهم يحتكمون فيه إلى شرعهم، ويثبتونه بشهادتهم، والله أعلم.
وبعد تقرير هذه المسائل الثلاث يتضح لنا أن شهادة الكافر لا تقبل إلا في حالة واحدة، وهي شهادته على المسلم في الوصية في السفر خاصة، وأما ما عدا ذلك فإن كفره يعتبر قادحة تمنع من قبول شهادته، سواء كانت على مثله، أو على غيره، وسواء كان الكافر مشركاً، أو مجوسياً، أو يهودياً، أو نصرانياً، والله تعالى أعلم.
الخاتمة
بحمد الله وتوفيقه ومعونته تم هذا البحث الذي أسأل الله الكريم أن يجعله في موازين الحسنات، وأن يجعله حجة لنا لا علينا.
وكما هي عادة البحوث فإني أذكر هنا أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال بحثي وهي كما يلي:
1 - أن الشهادة تطلق في اللغة بمعنى العلم والحضور.
2 - أن الشهادة عند الفقهاء تطلق بمعنى الإخبار عن الشيء بلفظ مخصوص.
3 - أن العلماء اتفقوا على عدم قبول شهادة الكافر على المسلم في غير الوصية في السفر.
4 - أن العلماء اختلفوا في مسألة قبول شهادة الكافر على المسلم في الوصية في السفر على قولين، ذهب الجمهور فيه إلى عدم قبولها، وذهب الحنابلة إلى قبولها.
وبينت سبب الخلاف في المسألة، ثم ذكرت الراجح في المسألة في نظري والعلم عند الله هو قول الحنابلة بقبولها لصحة وصراحة الدليل الذي استدلوا به.
5 - أن العلماء اختلفوا في مسألة قبول شهادة الذميين بعضهم على بعض، على مذهبين:
مذهب منع من قبولها مطلقاً وهم الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.
ومنهم من قبلها وهؤلاء انقسموا إلى قسمين:
فمنهم من قبلها مطلقاً أعني قال بجواز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وإن اختلفت مللهم، ومنهم من خصها بشهادة أهل كل ملة بعضهم على بعض فلا يشهد النصراني على اليهودي ولا العكس.
وانتهيت إلى أن الراجح عدم قبولها مطلقاً، وذكرت مستندي وأدلتي في ذلك مما هو مبين في البحث.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على سيد العالمين، وإمام المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إعداد / ماجد بن عجلان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[لم أستطع إدراج الحواشي، ولعله إن تيسر أرفقه في ملف حيث أنها لا تخلو من فائدة كتخريج حديث أو أثر، أو بيان مصطلح لغوي أو ترجمة لراو، أو توثيق النقول وهو من مهمات الحواشي.]
ـ[ماجد عجلان]ــــــــ[27 - 08 - 07, 04:57 ص]ـ
بارك الله فيكم هذا هو رابط البحث وبه الحواشي
ـ[مشتاق حجازي]ــــــــ[28 - 11 - 07, 08:44 م]ـ
جزاك الله خيرا وبارك فيك
ـ[الغواص]ــــــــ[31 - 01 - 10, 11:45 م]ـ
جزاك الله خيرا على هذا البحث والذي يتبين من خلاله أن المسألة ليس فيها جزم بصحة قول المحرمين لشهادة الكافر
فضلا على أن عمل المسلمين وواقعهم كبراءهم وخواصهم بل حتى علماءهم يشهد بأنهم يصدقون الكفار ويصدق الكافر
وذلك عند التعامل معاهم سواء طبيب يعالج أو مهندس تقني في السيارات والحاسب وشتى المجالات ...
فالقول بعدم قبول شهادتهم فيه مشقة لا تخفى والمشقة لا تتفق ويسر الشريعة