تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى رَجُلٍ بِالْبَقِيعِ وَهُوَ يَحْتَجِمُ فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ: ((أَفْطَرَ اَلْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ)) رَوَاهُ اَلْخَمْسَةُ إِلاَّ اَلتِّرْمِذِيَّ, وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ, وَابْنُ خُزَيْمَةَ, وَابْنُ حِبَّانَ.

[الشرح]

هـ?ذا أيضا الحديث يقول: (أَتَى عَلَى رَجُلٍ بِالْبَقِيعِ) والمراد بالبقيع ما حوله، لأن البقيع هو المقبرة التي هي مدفن موتى أهل المدينة، والظاهر أن الناس لا يكونون في نفس المقبرة يحتجمون، لما في ذلك من تلويث المقبرة بالدم وغير ذلك؛ لكن (بِالْبَقِيعِ) يعني حولها، إلا أن يراد بالبقيع كل ذلك المكان، يعني ما فيه القبور وما كان خارجا عنه فيصح، على كل حال مسألة المكان لا يهم.

المهم أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: (أَفْطَرَ اَلْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) الحاجم فاعل الحجامة، والمحجوم المفعول به، فالحاجم مثل الحلاق والمحجوم المحلوق.

قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (أَفْطَرَ اَلْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) هو كقوله: ((إذا أقبل الليل ه?هنا وأدبر النهار من ه?هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم)) () أفطر يعني حل له الفطر.

هنا (أَفْطَرَ اَلْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) يعني حل لهما الفطر؟ لا، لكن هـ?ذا يختلف عن ذاك؛ لأن القول الراجح في ذاك (فقد أفطر الصائم) أي حل له الفطر، وليس المعنى فقد أفطر حكما كما قيل به.

أما هنا فقد أفطر؛ يعني أفسد صومه فأفطر، هـ?ذا معنى الحديث، وقوله: (أَفْطَرَ اَلْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) فيه إفطار الرَّجلين.

أما المحجوم فالفطر في حقه معقول المعنى، ما هو؟ هو ما يحصل له من الضعف بخروج الدم، الضعف الذي يوجب ضرر البدن وطلب البدن الأكل والشرب حتى يُعوّض ما نقص بخروج ذلك الدم، والإنسان في صومه جعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يكون وسطا بين الإفراط والتفريط، بين أن يأكل ويشرب ليقوي البدن بالغذاء وبين أن يحتجم ويستقيئ فيضر البدن بفقد الغذاء أو بفقد الدم، بفقد الغذاء بالقيء أو بفقد الدم بالحجامة، فراعى الشرع جانب العدل بالنسبة للبدن لا إفراط ولا تفريط، فجعل ما أدخل البدن مما يقويه جعله مفطرا، وما أخرجه مما يضعفه جعله أيضا مفطرا حتى يقوم البدن بالعدل لا إفراط ولا تفريط، وهـ?ذا من الحكمة العظيمة.

فعلى هـ?ذا نقول: الحكمة في كون المحجوم يفطر هو ما يحصل للبدن من الضعف الذي يحتاج معه إلى? مادة غذائية يستعيد بها قوته.

وعليه فإن كان الإنسان في ضرورة إلى? الحجامة احتجم، وقلنا له: كل واشرب، ولو في رمضان، إذا كان فيه ضرورة لأن بعض الناس ولاسيما الذين يعتادون الحجامة، إذا فقدوها أحيانا يغمى عليهم ويموتون، فإذا بلغ الإنسان إلى? هـ?ذا الحد فنقول: احتجمْ وكُلْ واشرب وأعد للبدن قوته. وإذا لم يصل إلى? هـ?ذا الحد وكان بإمكانه أن يصبر إلى? غروب الشمس قلنا له: في الفرض يحرم عليك أن تحتجم ولا يجوز؛ بل تبقى إلى? أن تغرب الشمس وتفطر، أما الآن فلا. إن كان في نفل فالأمر واسع فيه لأن النافلة يجوز أن يأكل الإنسان فيها ويشرب ولو بلا عذر.

إذن عرفنا الحكمة بالنسبة للمحجوم.

بالنسبة للحاجم، قد تكون الحكمة خفية، وهي كذلك، الحكمة في الحقيقة بالنسبة للحاجم خفية جدا.

ولهذا ذهب بعض العلماء إلى? أن الحاجم لا يفطر، والمحجوم يفطر؛ لكن هـ?ذا القول كما تنظرون ضعيف جدا، كيف تأخذ ببعض النص وتدع بعضه؟! لا يمكن هـ?ذا، هـ?ذا ليس بعدل في جانب النصوص.

وقال بعضهم: الحكمة في المحجوم ظاهرة، وفي الحاجم تعبدية، نحكم بما حكم به الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ولا ندري، وبناءً على قولهم فالحاجم يفطر بأي وسيلة حجم؛ لأن المسألة تعبدية.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: () بل الحكمة معقولة فيهما، أما في المحجوم فقد سبقت وهي الضعف الذي ينهك البدن، وأما بالنسبة للحاجم فلأنّ الحاجم يمص القارورة والدم قد يكون غزيرا خرج بسرعة وشدة فينفذ إليه من القارورة دم وهو لا يشعر لشدة المص، فربما يتهرّب من الدم إلى? بدنه وهو لا يشعر، فجعلت هـ?ذه المظنة بمنزلة المئنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير