فالمهم أنّ مثل هـ?ذه الأمور من أهل العلم -عفا الله عنا وعنهم- يحمل عليها أنهم يعتقدون قبل أن يستدلوا، فيكون عند الإنسان حكم معين تقليدا لمذهب من المذاهب أو اختيارا من عند نفسه، ثم تأتي النصوص بخلاف ذلك المذهب أو ذلك الفهم فيحاول أن يصرف النصوص إليها، ولو بضرب من التعسف.
والحقيقة أن هـ?ذه ليست طريقا سليما، إذْ أن الإذعان والتسليم المطلق هو الذي يجعل النصوص متبوعة له، لا تابعة، بمعنى أنه إذا دلت النصوص على شيء يأخذ به، وهو سيحاسب على ما دلّت عليه النصوص، والحكم بين الناس إلى الله ورسوله، فإذا دلّ كلام الله ورسوله على شيء من الأشياء فالواجب علينا أن نأخذ به مهما كان، والخطر علينا إذا خالفنا هذا الظاهر، ليس إذا أخذنا به، الخطر علينا إذا خالفنا هـ?ذا الظاهر.
إذن فهذا الحديث يدل على أنّ الحاجم والمحجوم يفطران.
يبقى النظر: ما الجواب على حديث ابن عباس السابق؟
الجواب عليه أن الإمام أحمد رحمه الله ضعّف رواية (احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ)، وقال: إن ذلك لا يصح، وأنه انفرد به أحد الرواة عن ابن عباس وأن غيره خالفه فيها.
وإذا كان الأمر كذلك فإن مخالفة الثقات في نقل الحديث تجعله شاذا وإن كان المخالف ثقة.
وحديث شداد بن أوس قال البخاري: إنه أصح شيء في الباب، والغريب أن هذا الحديث جعله بعض العلماء من المتواتر؛ لأنه رواه عدد كبير عن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ في إفطار الحاجم والمحجوم حتى قالوا: إنه من المتواتر.
فالإمام أحمد رحمه الله ذهب إلى أن الحديث وهم (احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ).
وبعضهم قال: إن الحديث منسوخ بحديث شداد؛ لأن حديث شداد بن أوس كان في السنة الثامنة، وحديث ابن عباس كان في عمرة الحديبية أو في عمرة القضاء فهو سابق.
وعلى قاعدة بعض العلماء يقولون: حديث ابن عباس من فعل الرسول وحديث شداد من قوله، وفعله لا يعارض قوله، والحكم للقول لا للفعل، وهذه طريقة الشوكاني رحمه الله وجماعة من أهل العلم؛ ولكن ليست بطريقة مرضية عندنا كما سبق.
يبقى عندنا حديث آخر بعد هو الذي قد يعارض الحديث الذي نحن الآن بصدده، وهو:
ـ[أم سلمة]ــــــــ[10 - 09 - 07, 07:24 م]ـ
أخي الكريم، جزاك الله خيرا وبارك فيك، مارأيك لو جعلتَ الشرح في ملف وورد ووضعته مرة واحدة حتى تسهل الإفادة منه؟
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[11 - 09 - 07, 02:15 ص]ـ
[الحديث السابع عشر]
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَوَّلُ مَا كُرِهَتِ اَلْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ; أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ اِحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ, فَمَرَّ بِهِ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((أَفْطَرَ هَذَانِ)) , ثُمَّ رَخَّصَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ فِي اَلْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ, وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ. رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ وَقَوَّاهُ.
[الفوائد]
في هـ?ذا الحديث فوائد:
أولا الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، قال: (أَفْطَرَ هَذَانِ)، بعد أن رآهما يحتجمان، ومن المعلوم أن هذين المحتجمين لا يعلمان الحكم؛ لأنهما لو علما الحكم ما فعلاه؛ ما احتجما.
فكيف قال: (أَفْطَرَ هَذَانِ)؟ والقاعدة عندنا أن المحظور إذا فعل على سبيل الجهل فإنه لا يؤثر، فكيف نخرّج هـ?ذا الحديث.
لأنك إن قلت: إنهما كانا عالمين فهو بعيد أن يكونا عالمين بأن الحجامة تفطر ثم يحتجمان.
وإن قلت: غير عالمين، فقد حكم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنهما أفطرا.
و الواقع أن الجواب على هـ?ذا أحد الأمرين:
(أَفْطَرَ هَذَانِ) بمنزلة قوله: ((أفطر الحاجم والمحجوم))، فيكون المراد أفطر هـ?ذا النوع من الناس الذي حجم واحتجم.
الثاني أن المراد بيان أن الحجامة تفطّر، وأن الحجامة سبب بقطع النظر عن كون هذين الرجلين ينطبق عليهما شروط الفطر أو لا ينطبق.
¥