ويدل على أنه أفطر مراعاة لأحوالهم ما سبق في حديث أبي الدرداء رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ويدل لذلك أيضا أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة العشاء كان يستحب أن يؤخر من العشاء؛ ولكن إذا اجتمع الناس عجل لئلا يشق عليهم في الانتظار، فيدع الفاضل إلى? المفضول مراعاة لأحوال الناس.
بل يدل ذلك أيضا أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ترك بنيان الكعبة على قواعد إبراهيم خوفا على تغير الناس ونفورهم. قال لعائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ((لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم وجعلت لها بابين بابا يدخل منه الناس وباب يخرجون منه))؛ () ولكنه ترك خوفا من نفور الناس، والحكمة فيما قدر الله عز وجل، لما تولى عبد الله بن الزبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الخلافة في الحجاز هدمها وبناها على قواعد إبراهيم، وجعل لها بابين بابا يدخل منه الناس وبابا يخرجون منه، ولما قضي عليه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أعيدت الكعبة على ما هي عليه في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولكن الحكمة فيما أراده الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الآن ما أراده النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ من انتفاع الناس بدخول الكعبة وجعل بابين لها حصل، أين البابان؟ الحِجْر من الكعبة، له باب يدخل منه الناس وباب يخرجون، مع أن في هـ?ذا من راحة الناس أكثر مما لو كانت قد سقفت، لو سقفت والناس على جهلهم اليوم من الزحام قتل بعضهم بعضا؛ لكن من نعمة الله عز وجل أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعادها على ما كانت عليه، والذي قدره النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وأراده حصل باب يدخل منه الناس وباب يخرجون مع الانشراح والهواء وعدم المشقة.
ومن فوائد هـ?ذا الحديث أنه ينبغي للإنسان أن يؤكد قوله بفعله ليطمئنّ الناس إليه؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا بقدح فشرب والناس ينظرون.
ومنها أن نقل بعض المخالفات للناس للمصلحة لا يعد من الغيبة أو النميمة، والدليل (إِنَّ بَعْضَ اَلنَّاسِ قَدْ صَامَ) ووجهه أن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ لم ينكر على الذين بلّغوا إنما أنكر على الذين خالفوا.
ومن فوائد الحديث أيضا أنه يجوز وصف الإنسان بما يكرهه على سبيل العموم، إذا كان واقعا فيه، لقوله: (أُولَئِكَ اَلْعُصَاةُ) هـ?ذا على سبيل العموم واضح، ولاشك أن المعصية وصف ذميم مكروه للنفوس؛ ولكن إذا كان الإنسان مستحقا له فلا بأس أن يوصف به؛ لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وصف ه?ؤلاء بالعصاة.
أما أن تقول لشخص معين: أنت عاص، فهـ?ذا محل تفصيل:
إن اقتضت المصلحة ذلك بأن فيه ردع له ولغيره، فلنقل له هـ?ذا.
وإلا فإن الأولى ألا نقول ذلك له مواجهة ومباشرة؛ لأن هـ?ذا ربما يثيره فتأخذه العزة بالإثم، فيزداد تعنتا في معصيته، وربما ازداد معصية أخرى.
ومنها أيضا أن النفوس مجبولة على تقليد الكبير لقوله: (وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ) ولاشك في هـ?ذا أن الناس مجبولون بفطرهم على تقليد الكبير.
ومن فوائد الحديث أيضا جواز الإخبار عما يحصل في العبادات من المشقة لقولهم: (إِنَّ اَلنَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ اَلصِّيَامُ) لا يقال: إن هـ?ذه شكوى من مشقة العبادة؛ بل يقال: إن هـ?ذا خبر وفرق بين الخبر المجرد وبين الخبر الذي يراد به الشكوى.
ولهذا يجوز للمريض أن يخبر بما يجد؛ لكن من غير شكوى، مثلا يقال: كيف أنت؟ فيقول: والله البارحة سهرت وتعبت، وآلمني كذا، وآلمني كذا، إخبارا لا شكوى، ولهذا بعض المرضى يقول: إخبارا لا شكوى. وهناك فرق بين الإنسان الذي يشتكي والإنسان الذي يخبر.
فإذا أخبرت بأن العبادة شقت عليك لا تشكيا منها، فهـ?ذا لا بأس به.
ومن فوائد الحديث أيضا حسن تعليم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحسن خُلُقه مع أصحابه؛ لأنه شرِبَ هـ?ذا بعد العصر والنّاس ينظرون كل هـ?ذا من أجل التسهيل والتيسير عليهم.
¥