ومنها أيضا جواز سؤال الغير حيث لا يكون في ذلك مِنَّة على السّائل، تؤخذ من قوله: (فَدَعَا بِقَدَحٍ) فإنّ الإنسان لا حرج عليه إذا كان لا يرى مِنّة عليه في السؤال أن يسأل، ومثل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سأل أحدا قال: هات القدح، يعتبر المسؤول هذا منة من الرسول عليه، فهناك فرق؛ لكن لو تدعو إنسانا مساويا لك وتقول: أعطني قدحا لكنه يتكاسل، هـ?ذا الأحسن تسأله أو لا تسأله؟ لا تسأله؛ لأن فيه منة وفيه إحراجا لهذا الرجل، أما بعض الناس مثلا تسأله قبل أن ينتهي الكلام وهو قائم وساعٍ بشدة يأتي لك بما تريد، هـ?ذا ما يقال: إن سؤاله من الذل أمام الناس؛ بل هـ?ذا من الأمر المباح الذي سنّه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته.
ومنها جواز الإخبار بالكل عن البعض، من قولهم: (إِنَّ اَلنَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ اَلصِّيَامُ) لأن الظاهر -والله أعلم- أنه ليس كل الناس يشق عليهم ذلك، فإنّ الناس يختلفون في التحمل، ويختلفون أيضا في الجوع وفي العطش، بعض الناس يجوع سريعا ويعطش سريعا، وهـ?ذا فرد من أفراد كثيرة، وهي جواز إخبار الإنسان بما يغلب على ظنه؛ بل جواز إقسامه على ذلك كما سيأتينا إن شاء الله.
يدلّ على أنه ليس كل مجتهد مصيبا. لا أدري هل هـ?ذه من مسائل الاجتهاد؛ لأن الناس يعني يصومون ويفطرون، على سبيل أن هـ?ذا شرع، لا على سبيل أنه اجتهاد؛ لأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرهم على هـ?ذا. تؤخذ من (إِنَّ بَعْضَ اَلنَّاسِ قَدْ صَامَ) ه?ؤلاء اجتهدوا بلا شك لكن اجتهادهم صار خطأ.
إذن نأخذ منه أنه ليس كل مجتهد مصيب من جهة، ومن جهة أخرى أن من أخطأ في اجتهاده فيجب الإنكار عليه، وبيان خطئه، وحينئذ نقول: إن العبارة المشهورة عند العلماء (لا إنكار في مسائل الاجتهاد) مقيدة بما إذا لم يكن ذلك الاجتهاد مخالفا للنّص، فإن كان مخالفا للنص فإنه ينكر عليه؛ لكن ما دامت المسألة محتملة للاجتهاد فإنه لا ينكر إذْ ليس اجتهادك أولى بالقبول من اجتهاد الآخر، أو أولى بالصواب من اجتهاد الآخر.
النساء اللاتي يأكل حبوب منع الحيض في رمضان يدخلن في هـ?ذا، لأنهن تركن الرخصة؛ ولكن هل نقول: إن عدم صوم المرأة وهي حائض من باب الرخصة، أو من باب أنها ليست أهلا لهذه العبادة؟
الظاهر الأخير كما أنها ليست أهلا للصلاة، هي لم يسقط عنها الصوم من أجل الرخصة وإلا لقلنا: لو صامت لصح صومها، وليس الأمر كذلك.
وتأتي مسألة ثانية: مسألة الضرر وفيه ضرر ولقد أخبرنا الأخ رشاد كتب لنا مرة ورقة في أضرار هـ?ذه الحبوب، فيها أربعة عشر ضررا، يكفي منها واحد. ومع ذلك فإن النساء منهمكات في هـ?ذه الحبوب؛ لأجل أن تصوم مع الناس أو لأجل أن لا يفوتها عشر رمضان أو ما أشبه ذلك.
ـ[سالم الجزائري]ــــــــ[17 - 09 - 07, 04:06 ص]ـ
[الحديث الثاني والعشرون]
وَعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ () رِضَى اَللَّهُ عَنْهُ; أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! إني أَجِدُ فيَّ قُوَّةً عَلَى اَلصِّيَامِ فِي اَلسَّفَرِ, فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ? فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اَللَّهِ, فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ, وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. ()
وَأَصْلُهُ فِي "اَلْمُتَّفَقِِ عليه" مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ; أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو سَأَلَ. ()
[الفوائد]
يستفاد من هـ?ذا الحديث عدة فوائد:
منها حرص الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم على التفقه في الدين، يؤخذ من سؤال حمزة بن عمرو للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
ومنها أن بعض الناس يظن أن الترخيص من أجل المشقة، وأنه لو وجدت القوة فلا رخصة، لقول حمزة: (إني أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى اَلصِّيَامِ فِي اَلسَّفَرِ, فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ?) وهـ?ذا على احتمال أن تكون (فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ) في الفطر.
ومنها إثبات الرخص في الشريعة الإسلامية لقوله: (هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اَللَّهِ)؛ ولكن هـ?ذه الرخص لا يمكن أن ترد إلا لسبب، وإلا كان الشرع متناقضا فكل رخصة رخصها الله فإنها لسبب، وإلا كان الشرع متناقضا أو كان الشرع غير حزم.
ومن فوائده أيضا -من فوائد الحديث- أن الأخذ بالرخصة ليس بواجب، لقوله: (فَحَسَنٌ) ولم يقل: فحق أو فواجب، وإنما قال: (فَحَسَنٌ).
وزيادة على ذلك قال: (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ)، وهو يؤكد أن الأخذ بالرخصة ليس بواجب.
ومن فوائد الحديث الرد على الجبرية (أَخَذَ بِهَا)، (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ).
ومن فوائد الحديث أيضا الرد على من يقول: إنه لا يجوز صوم رمضان في السفر، وهم الظاهرية لقوله: (وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ) وهـ?ذا صريح.
ومنها أنه يجوز إضمار ما دلّ السياق عليه ولا يعد ذلك إلغازا في الكلام.
أي جواز الإضمار في الشيء إذا دلت عليه القرينة سواء كانت متصلة أو منفصلة، ولا يعد هـ?ذا من باب التّعمية.
¥