قال الشيخ رحمه الله: هذا من أدل الشواهد على سعة فقه الصحابة رضي الله عنهم وتحريرهم الألفاظ
* وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم: " وجد تمرة في الطريق، فقال: لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها".
قال الشيخ رحمه الله: هذا فيه دليل على أن المال وإن كان الأقل منه حراما يجتنب؛لأنّ الزكاة في جنب الأموال يسيرة، فإذا امتنع من الأكل مع تجويز التحريم فأحرى مع ثبوته وتحققه. (2/ 40)
وفيه دليل أن اللقطة اليسيرة من الطعام وغيره مما لا يلتفت الناس إليه ولا ينتهون إلى طلبه تُستباح؛ لأنه علل في امتناعه من الأكل بالخشية من أن تكون صدقة ةالصدقة لا تحل له عليه السلام ولا لبني هاشم عندنا. (2/ 40)
كتاب الصيام
* ... فأما الفطر (في رمضان) فمالك وأبو حنيفة والشافعي يقولون: لا يقبل الواحد. وقبله أبو ثور. وأما الصوم فاتفق هؤلاء على قبول الواحد فيه إلا مالكا خاصة. وأجاز أبو حنيفة فيه شهادة المرأة والعبد. وسبب الخلاف هل ذلك من باب الشهادة أم من باب الإخبار؟ وكأنّ ما طريقه الشياع يُقبل فيه الواحد كالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بحكم من الأحكام، وما كان يختص به بعض الأشخاص كالقول لهذا عند هذا. وشبه ذلك فيطلب فيه اثنان. (2/ 46)
* قال الشيخ رحمه الله: اختلف الناس في جواز القبلة للصائم. ومن بديع ما ورد في جواز ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " لما سُئل عن القبلة للصائم: أرأيت لو تمضمضت؟ " فأشار بذلك إلى فقه بديع، وذلك أن المضمضة قد تقرر عندهم أنها لا تنقض الصوم لأنهم كانوا يتوضئون وهم صيام، والمضمضة أوائل الشرب ومفتاحه كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه، والشرب يُفسد الصوم كما يُفسده الجماع، فكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب الذي هو المضمضة لا يفسد الصوم فكذلك أوائل الجماع الذي هو القبلة لا تفسد الصوم. وفي هذا إثبات القياس في الشريعة واستعمال الأشباه (2/ 49)
* وأما المجامع ناسيا في رمضان فقد اختلف أصحابنا في إيجاب الكفارة عليه. فقال بعضهم: تجب الكفارة لأنه لم يستفسر السائل هل جامع عامدا أم ناسيا؟ فدل على أن الحكم لا يفترق. وقال بعضهم: لا كفارة على الناسي؛ لأن الكفارة تمحيص للذنوب والناسي غير مذنب ولا آثم. (2/ 53)
* واختلف الناس في المفطر بالأكل عامدا هل يكفر أم لا؟ فمن رأى أن الحدود والكفارات لا يُقاس عليها، أو رأى في الجماع معنى يختص به دون الأكل قصر الكفارة على ما ورد به الخبر. ومن رأى إثبات القياس في الحدود والكفارات ورأى أن الأكل مساوٍ للجماع لاشتراكهما في كونهما انتهاكين لحرمة الشهر وتعلّق المأثم بهما أوجب الكفارة فيه. (2/ 53)
* قال الشيخ رحمه الله: جل الفقهاء على أن من أصبح صائما في الحضر ثم سافر أنه لا يُفطر في يومه.
وذهب بعضهم إلى أن ذلك له وكأن هذا فرع بين أصلين:
أحدهما: أن من أصبح صائما ثم عرض له مرض فإنه يُباح له الفطر.
والثاني: أن من افتتح الصلاة في السفينة حضرية ثم انبعثتْ به السفينة في أثناء الصلاة متوجهة إلى السفر أن يتم صلاة حضر، فيرد المخالف الفطر إذا حدث السفر إلى الفطر إذا حدث المرض.
ويرده الآخرون إلى الصلاة المذكورة. والفرق عندنا بين طروّ المرض على الصائم وطرو السفر: أنّ طروّ السفر أمر مكتسب فخوطب فيه بحالة الابتداء والمرض أمرٌ غالب. وقد يكون أيضا مرض لا يمكن معه الصوم على حال. (2/ 55)
* قال الشيخ رحمه الله: عندنا أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم. وعند المخالف أنه التاسع، فمن قال: إنه العاشر تعلق بأن مقتضى هذا اللفظ كونه يوم العاشر وهو مأخوذ من العشر. ومن قال: إنه التاسع تعلق بهذا الحديث (حديث ابن عباس م440)، وبما ورد عن العرب في تسميتها اليوم الثالث من أيام الوِرد رِبعا، وكذلك على هذا الحساب يحسبون أيام الأظماء والأوراد فيكون التاسع عشرا على هذا. (2/ 57)
قال مالك في موطئه: لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسنٌ. وقد رأيتُ بعض أهل العلم يصومه وأُراه كان يتحراه.
قال الشيخ رحمه الله: وقد ذُكر بعض الناس أن الذي كان يصومه ويتحراه محمد ابن المنكدر.
وقال الداودي: لم يبلغ مالكا هذا الحديث (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ... مسلم) ولو بلغه لم يُخالفه. (2/ 60)
¥