ولم نجد لمن فرق بين الأجل الآتي والآبد , وبين الأجل الذي لا يأتي حجة أصلا , غير دعواه؟ لا سيما وهم يفسدون النكاح إذا أجل الصداق إلى أجل قد يكون وقد لا يكون , بعكس قولهم في الطلاق؟ وكلا الأمرين أجل ولا فرق.
وأيضا - فقد يأتي الأجل الذي قالوا فيه: إنه يجيء - وهو ميت أو وهي ميتة , أو كلاهما , أو قد طلقها ثلاثا -: فظهر فساد هذا القول جملة - وبالله تعالى التوفيق.
وهم يشنعون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف؟ وقد خالفوا هاهنا ابن عباس , وأيضا - فإنهم يوقعون عليه طلاقا لم يلتزمه قط؟ وهذا باطل. [ص: 482]
ثم لو عكس عليهم قولهم , فقيل: بل تطلق عليه إذا أجل أجلا - قد يكون وقد لا يكون - ساعة لفظه بالطلاق , ولا تطلق عليه إذا أجل أجلا يأتي ولا بد , لما كان بينهم فرق أصلا - وبالله تعالى التوفيق.
ثم نظرنا فيما يحتج به من أجاز ذلك وجعل الطلاق يقع إذا جاء الأجل - لا قبل ذلك - بأن قال: قال الله تعالى: {أوفوا بالعقود}؟ فقلنا: إنما هذا في كل عقد أمر الله تعالى بالوفاء به , أو ندب إليه - لا في كل عقد جملة , ولا في معصية , ومن المعاصي أن يطلق بخلاف ما أمر الله تعالى به , فلا يحل الوفاء به.
وقالوا: " المسلمون عند شروطهم ".
وهذا كالذي قبله , لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل}.
والطلاق إلى أجل مشترط بشرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل.
وقالوا: نقيس ذلك على المداينة إلى أجل , والعتق إلى أجل؟ فقلنا: القياس باطل , ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا , لأن المداينة والعتق قد جاء في جوازهما إلى أجل النص , ولم يأت ذلك في الطلاق.
ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا , لأنكم مجمعون على أن النكاح إلى أجل لا يجوز , وأن ذلك النكاح باطل , فهلا قستم الطلاق إلى أجل على ذلك.
وقالوا: قد أجمعوا على وقوع الطلاق عند الأجل , لأن من أوقعه حين نطق به فقد أجازه , فالواجب المصير إلى ما اتفقوا عليه؟ فقلنا: هذا باطل , وما أجمعوا قط على ذلك , لأن من أوقع الطلاق - حين لفظ به المطلق - لم يجز قط أن يؤخر إيقاعه إلى أجل والذين أوقعوه عند الأجل لم يجيزوا إيقاعه حين نطق به.
وقالوا: هذا قول صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف؟
[ص: 483] فقلنا: هذا من رواية أبي العطوف الجراح بن المنهال الجزري - وهو كذاب مشهور بوضع الحديث - فبطل هذا القول أيضا -.
والحمد لله رب العالمين.
ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[02 - 09 - 07, 06:15 ص]ـ
مقصود من حكى الإجماع أن أهل العلم اتفقوا على وقوع الطلاق في الجملة، سواء كان ذلك حالا أو حين الأجل، وليس كما فهم ابن حزم أن من أوقعه في الحال يخالف من أوقعه في الأجل.
فهذه هي نكتة الإجماع في المسألة؛ لأن أهل الإجماع قد يختلفون في الحكم ويتفقون على جزئية معينة فيه، فإن جاز مخالفتهم فيما اختلفوا فيه لم يجز ذلك فيما اتفقوا عليه.
وقد اتفقوا على أن الطلاق واقع، ولا يضر هنا خلافهم في زمن وقوعه.
فالإجماع ثابت في هذه المسألة، وبالله التوفيق.
ومن أصول الظاهرية أن الشروط التي لم يرد فيها نص باطلة، وهذا أيضا مخالف لما عليه جماهير أهل العلم قديما وحديثا، إذ بينوا أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب الله) أي كل شرط مخالف لكتاب الله، وليس المقصود ورود الشرط بنصه في القرآن والسنة؛ لأنه لا يعقل أصلا أن يرد في كتاب الله كل شرط يشترطه الناس في بياعاتهم وإجاراتهم وتجاراتهم، هذا مما لا يخالف فيه أحد يعقل ما يقول، وما زال الناس يتبايعون ويشترون في الجاهلية والإسلام ولا يلتزم أحد منهم أن يكون كل شرط اشترط في البيع مذكورا بنصه في القرآن أو السنة، ولا أدري كيف خفي هذا على أبي محمد رحمه الله.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[02 - 09 - 07, 02:41 م]ـ
أحسن الله إليك أبا مالك والأخ مصطفى
¥