قَوْله: (بَابٌ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ) أَيْ هَلْ يُشْرَعُ قَضَاؤُهُ عَنْهُ أَمْ لَا؟ وَإِذَا شُرِعَ هَلْ يَخْتَصُّ بِصِيَامٍ دُونَ صِيَامٍ أَوْ يَعُمُّ كُلّ صِيَام؟ وَهَلْ يَتَعَيَّن الصَّوْم أَوْ يُجْزِئُ الْإِطْعَام؟ وَهَلْ يَخْتَصّ الْوَلِيّ بِذَلِكَ أَوْ يَصِحّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْره؟ وَالْخِلَاف فِي ذَلِكَ مَشْهُور لِلْعُلَمَاءِ.
وعَنْ الْحَسَن فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَجُمِعَ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا فَصَامُوا عَنْهُ يَوْمًا وَاحِدًا أَجْزَأَ عَنْهُ , قَالَ النَّوَوِيّ فِي " شَرْح الْمُهَذَّبِ ": هَذِهِ الْمَسْأَلَة لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا فِي الْمَذْهَبِ , وَقِيَاس الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ. قُلْت: لَكِنَّ الْجَوَاز مُقَيَّد بِصَوْمٍ لَمْ يَجِب فِيهِ التَّتَابُع لِفَقْدِ التَّتَابُع فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة.
وَقَوْله " صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ " خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْر تَقْدِيره فَلْيَصُمْ عَنْهُ وَلِيّه , وَلَيْسَ هَذَا الْأَمْر لِلْوُجُوبِ عِنْد الْجُمْهُور
وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة: فَأَجَازَ الصِّيَام عَنْ الْمَيِّت أَصْحَابُ الْحَدِيث .... وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَابِتَة لَا أَعْلَم خِلَافًا بَيْن أَهْل الْحَدِيث فِي صِحَّتهَا فَوَجَبَ الْعَمَل بِهَا ........ وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد وَمَالِك وَأَبُو حَنِيفَة لَا يُصَام عَنْ الْمَيِّت. وَقَالَ اللَّيْث وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو عُبَيْد: لَا يُصَام عَنْهُ إِلَّا النَّذْرُ.
وَاخْتَلَفَ الْمُجِيزُونَ فِي الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " وَلِيُّهُ " فَقِيلَ كُلّ قَرِيب , وَقِيلَ الْوَارِث خَاصَّة , وَقِيلَ عَصَبَتُهُ , وَالْأَوَّل أَرْجَح , وَالثَّانِي قَرِيب , وَيَرُدُّ الثَّالِثَ قِصَّة الْمَرْأَة الَّتِي سَأَلَتْ عَنْ نَذْرِ أُمِّهَا. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يَخْتَصّ ذَلِكَ بِالْوَلِيِّ؟
َقِيلَ يَخْتَصّ بِالْوَلِيِّ فَلَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ يَصُوم عَنْهُ أَجْزَأَ كَمَا فِي الْحَجِّ , وَقِيلَ يَصِحُّ اِسْتِقْلَال الْأَجْنَبِيّ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْوَلِيّ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ , وَظَاهِر صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ اِخْتِيَارُ هَذَا الْأَخِير , وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَقَوَّاهُ بِتَشْبِيهِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِالدَّيْنِ وَالدَّيْنُ لَا يَخْتَصّ بِالْقَرِيبِ. أ.هـ
قال النووى فى شرح مسلم:
وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَام عَنْ مَيِّت لَا نَذْر وَلَا غَيْره , حَكَاهُ اِبْن الْمُنْذِر عَنْ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة , وَرِوَايَة عَنْ الْحَسَن وَالزُّهْرِيّ , وَبِهِ قَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة , قَالَ الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره: هُوَ قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء , وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ , وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ , بَلْ بَاطِلٌ , وَأَيُّ ضَرُورَةٍ إِلَيْهِ وَأَيُّ مَانِع يَمْنَع مِنْ الْعَمَل بِظَاهِرِهِ مَعَ تَظَاهُرِ الْأَحَادِيثِ , مَعَ عَدَم الْمُعَارِض لَهَا , قَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابنَا: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَنْهُ صَلَاةٌ فَائِتَة , وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُصَام عَنْ أَحَد فِي حَيَاته , وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي الْمَيِّت. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْمُرَاد بِالْوَلِيِّ الْقَرِيب , سَوَاء كَانَ عَصَبَةً أَوْ وَارِثًا أَوْ غَيْرَهُمَا , وَلَوْ صَامَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ إِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحّ , وَلَا يَجِب عَلَى الْوَلِيّ الصَّوْم عَنْهُ , لَكِنْ يُسْتَحَبّ.
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز صَوْم الْوَلِيِّ عَنْ الْمَيِّت كَمَا ذَكَرْنَا , وَفِيهَا: قَضَاءُ الدَّيْن عَنْ الْمَيِّت , وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ , وَلَا فَرْق بَيْن أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهُ وَارِثٌ أَوْ غَيْره فَيَبْرَأُ بِهِ بِلَا خِلَاف. أ.هـ
¥