بالله سبحانه وتعالى ففي الحديث الصحيح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه سأله عبد الله بن مسعود: " أي العمل أحب إلى الله؟ " قال: ((الصلاة على وقتها)) قلت: " ثم أي؟ " قال: ((برالوالدين)). قالوا: فإذا قدم والده فقد بره، وبره بأعظم الأشياء وأحبها إلى الله بعد الإيمان في صلاته وموقفه بين يدي ربه فذلك أعظم لأجره، فمن هنا رخصوا للولد أن يتنازل عن والده من باب الخير وهذا اجتهاد من بعض العلماء وله وجهه من السنة ومن تأخر لوالده فلا بأس ومن حرص على الصفوف الأول فلا بأس فكل له وجهه، والله - تعالى - أعلم.
السؤال الثالث:
أيهما أفضل الوقوف عن يمين الصف أم خلف الإمام؟
الجواب:
ميمنة الصف لا شك أنها أفضل؛ لأن اليمين مفضل عن الشمال، ولذلك قال-تعالى-: {عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ} فأفرد اليمين وجمع الشمال والعرب تفرد الأفضل وتجمع ضده مادونه فقال: {عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ} فضل اليمين بالذكر، ثم كذلك كان هديه-عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين من حديث عائشة-رضي الله عنها- قالت: " كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله "، فدل على فضل التيمن وهذا محل إجماع أن الأيمن أفضل من الأيسر.
وأما بالنسبة لكونه وراء الإمام فإذا كان مراد السائل أنه يتأخر إلى الصف الثاني والثالث فالصحيح أن الصف الأول أفضل ولو كان أبعد عن الإمام ولو كان لا يسمع قراءة الإمام إلا أن بعض العلماء قالوا إذا كان في صلاة الفجر فالأفضل أن يكون وراء الإمام يسمع القراءة ولا يبتعد في الصفوف الأول فعلى هذا المذهب يصلي خاصة في القديم حيث لا يوجد ما هو موجود في زماننا من الآلات التي توصل الصوت وتبلغه يقولون: يصلي وراء الإمام في الصف الثاني حتى يسمع تلاوته أفضل من أن يصلي في الصف الأول الطويل الذي لا يسمع فيه قراءة الإمام، واستدلوا بقوله-تعالى-: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}؛ ولكن الذي يظهر والعلم عند الله أن الصف الأول أفضل وذلك بتفضيل الشرع له، والله - تعالى - أعلم.
ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[05 - 09 - 07, 06:52 م]ـ
وفي باب إقامة الصفوف في السنن للترمذي, سئل الشيخ هذه الأسئلة:
إذا كان المصلي يصلي جالساً في الجماعة فكيف يسوي الصف مع من هو بجانبه؟
الجواب:
إذا صلى المصلي وهو جالس على كرسيه أو جالس على الأرض فإن جلس على كرسيه جعل صدره مسامتاً للقوم، فالعبرة باستواء صدره وجذعه، وأما إذا كان جالساً على الأرض فإنه يجلس جلسة التشهد أو التربع فإن جلس جلسة التشهد جعل صدره بجذاء رِجْلِ من جاوره عن اليمين والشمال، وكذلك إذا تربع فإنه يتأخر قليلاً بحيث يكون مسامتاً للصف تماماً من جهة الصدر فإذا جلس القوم جلس معهم في وتيرة واحدة فالعبرة بصدره وعقبه وكعبه، والله - تعالى - أعلم.
ما المقصود من قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أو ليخالفن الله بين وجوهكم))؟
الجواب:
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذه الجملة تكررت في موضعين في الحديث الماضي في الباب السابق، وستأتي في حديثنا وهو حديث الأمر أن يليه أولوا الأحلام والنهى - وسيأتي إن شاء الله بيانها -؛ لكن حاصل ما ذكر في مخالفة الوجه قولان:
1 - القول الأول: أن يخالف الله بين وجوهكم عقوبة حقيقية، وأن الله-تعالى- يقلب هذه الوجوه مخالفة لحقيقتها ولذلك قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار))، قال بعض العلماء: إنه يبعث يوم القيامة ورأسه رأس حمار -والعياذ بالله-، وإذا كان هذا في الآخرة ووعيد في الآخرة فحينئذ يخالف بين الوجه فيبعث يوم القيامة على وجه غير وجهه-نسأل الله السلامة والعافية-.
وقال بعض العلماء: إن المخالفة في الوجه مخالفة في الوجهة يقال: إن وجهة فلان تخالف وجهة فلان، وأصل الوجهة وجهة النظر والرأي فوصفت بذلك لأن الإنسان إذا ذهب إلى قوم أو اختار شيئاً من الرأي فإنه يجعل هذا الرأي قبلته ويتجه إلى هذا القول وهذا الرأي كاتجاه المحسوس للمحسوس كما يتجه إليه بوجهه فشبه المعنوي بالمحسوس ونزل منزلته، ولذلك قالوا: ولى وجهه هذا القول وجه فلان أو للعلماء وجهان كل ذلك المراد به الرأي؛ لأن من اختار رأياً واختار قولاً فإنه وجهه أي يجعله وجهته وقبلته التي يؤمها ويقصدها وكلا القولين له وجهه فيحتمل على هذا.
2 - الوجه الثاني: ((أو ليخالفن الله بين وجوهكم)) أن الاختلاف في تسوية الصفوف والتساهل في ذلك سبب لوقوع الفتن-والعياذ بالله- والمحن التي يمزق بها شمل الأمة فتصبح شذر مذر لكثرة الأهواء والطوائف، ولذلك قالوا: فيه دليل على أن مخالفة السنة توجب وقوع الفرقة ووقوع الاختلاف والشر والبلاء على الأمة جماعة وأفراداً وهذا ليس بغريب، ولذلك تأذن الله لمن خالف هدي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالوعيد كما قال-تعالى-: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وكان ابن عباس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - يقول: الفتنة الشرك، وهذا يدل على أن مخالفة السنة تجر إلى البدعة، والبدعة تجر-والعياذ بالله- إلى الكفر، ولذلك قالوا: إن البدع قد تفضي بصاحبها إلى الخروج من الملة فيبدأ بالبدع في أمور العبادات ثم ينتقل من بعد ذلك إلى أمور الاعتقاد حتى لربما غلا غلواً يخرجه من الإسلام بالكلية-والعياذ بالله- فلا يبالي الله به في أي أودية الدنيا هلك، فالواجب على المسلم أن يتحرى السنة، وأن يحرص عليها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يجعل من علمه بها طريقاً للحرص عليها والعض بناجذه على ما فيها، وكل ذلك من خير المؤمن وسعادته في دينه ودنياه وآخرته، والله - تعالى - أعلم.