ـ وكتب إلى بعض أصحابه الأئمة ممن كان قد ترك الدعاء جماعة في أدبار الصلوات كما في المعيار المعرب (11/ 141): (بلغني أنكم رجعتم إلى الإمامة, واشترط عليكم في الرجوع أن تدعوا بهيئة الاجتماع في أدبار الصلوات, فالتزمتم الشرط, فإن كان ذلك لأنكم ظهر لكم الصواب فيه, فما بالكم لم تعرفوا محبكم بوجه الصواب, فيكون تعاونا على البر والتقوى, وإن كان ذلك لأدجل معيشة فقد اتهمتم الرب سبحانه في ضمان الرزق, أو لغير ذلك فعرفوني به))
ـ وقال ابن الحاج المالكي في المدخل (1/ 58/دار الفكر): (ثم ينوي الدعاء بعد الصلاة أيضا؛ لأنه من السنة أعني دعاء كل إنسان في سره لنفسه ولإخوانه دون جهر اللهم إلا أن يكون إماما ويريد أن يعلم المأمومين على ما قاله الشافعي رحمه الله فإذا رأى أنهم قد تعلموا سكت)
ـ وقال ابن بطال المالكي في شرح البخاري عند شرحه لحديث أم سلمة في (باب مكث الإمام في مصلاه بعد التسليم): (وأما مكث الإمام في مصلاه بعد السلام، فقد كرهه أكثر العلماء إذا كان إمامًا راتبًا إلا أن يكون مكثه لعلة، كما فعل عليه السلام من أجل انصراف النساء قبل أن يدركهن الرجال، هذا قول الشافعي، وأحمد بن حنبل، وقال مالك: يقوم ولا يقعد في الصلاة كلها إذا كان إمام مسجد جماعة، وإن كان إمامًا في سفر، فإن شاء قام وإن شاء قعد.)
هذا مذهب المحققين من فضلاء أئمة المالكية رحمهم الله تعالى. ومن أدلتهم وشواهدهم في ذلك الآثار ما رواه الإمام مسلم (592) عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يجلس إلا مقدار ما يقول: (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام وفي رواية بن نمير يا ذا الجلال والإكرام)
وكان هذا هديه صلى الله عليه وسلم إلا لحاج كثل أن يكون خلفه نساء فيمكث يسيرا بقدر ما يخرج النساء كي لا يختلطن بالرجال بباب المسجد قبل أن يكون لهن باب خاص بهن بعد ذلك.
فقد روى الإمام البخاري (832) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم) قال الزهري راوي الحديث: نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال.
وقد رواه إمام الأئمة ابن خزيمة وبوب له بقوله: (: باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقوم ساعة يسلم إذا لم يكن خلفه نساء واستحباب ثبوت الإمام جالسا إذا كان خلفه نساء ليرجع النساء قبل أن يلحقهم الرجال)
ـ وروى عبد الرزاق في المصنف (2/ 242) وأبو يوسف في كتاب الآثار (ص31) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 270) عن حماد عن أبي الضحى عن مسروق قال: (كان أبو بكر رضي الله عنه يسلم عن يمينه وعن شماله ثم ينتقل ساعتئذ كأنه على الرضف)
ـ ورواه عبد الرزاق (2/ 242) عن معمر عن قتادة قال: كان أبو بكر إذا سلم كأنه على الرضف حتى ينهض
قلت: الرضف بسكون المعجمة وتفتح الراء وبعدها فاء جمع رضفة وهي حجارة محماة على النار
ـ وروى عبد الرزاق (2/ 242) عن أيوب عن ابن سيرين قال: قلت لابن عمر إذا سلم الإمام انصرف قال: (كان الإمام إذا سلم انكفت وانكفتنا معه) وهذا إسناد صحيح صححه الحافظ ابن حجر في الفتح ()
ـ وروى أيضا حدثنا وكيع عن محمد بن قيس عن أبي حصين قال: (كان أبو عبيدة بن الجراح إذا سلم كأنه على الرضف حتى يقوم)
ـ وروى ابن وهب كما في المدونة (1/ 144) والبيهقي في السنن (2/ 182) عن أبي الزناد قال: سمعت خارجة بن زيد بن ثابت يعيب على الأئمة قعودهم بعد التسليم وقال: إنما كانت الأئمة ساعة تسلم تنقلع من مكانها) ولفظ البيهقي (ويقول السنة في ذلك أن يقوم الإمام ساعة يسلم)
ـ وروى ابن أبي شيبة (1/ 269) حدثنا أبو داود عن زمعة عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان إذا سلم قام فذهب كما هو ولم يجلس.
وروى (2/ 343) عن الثوري عن خصيف أن سعيد بن جبير قال: (ليست من السنة أن يجلس حتى يقوم)
وقد عللوا كراهة ذلك بعلل ,فقال الشيخ زروق المالكي في شرح الرسالة (1/ 201/دار الفكر): (علة النهي أحد ثلاثة:وقوع الكبر في نفسه وانقضاء مدة تقدمه الذي يقتضي شغل المكان المحبس عليه أو التلبيس على الداخل بكون الصلاة بقي منها شيء)
¥