ـ وقال القباب في الفتوى المذكورة آنفا: (ونقل الفقهاء في توجيه استحباب السرعة في القيام له أن جلوسه هنالك يدخل عليه به كبر وترفع على الجماعة , وتزين في انفراده بموضع عنهم يرى به الداخل أنه إمامهم, وأما انفراده به حال الصلاة فضرورة, فإذا كان هذا في الانفراد بالموضع فكيف إذا انضاف إليه من تقدمه إياهم للتوسل به في الدعاء والرغبة وتأمينهم على دعائه جهرا, ولو كان هذا حسنا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ولم ينقل ذلك من العلماء مع تواطئهم على نقل جميع أموره حتى هل كان ينصرف من الصلاة على اليمين أو على اليسار)
قلت: قد تكون كل هذه العلل من علل النهي لا كلها عند من يقول بالتعليل, ومنها أنه لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم أعلم الناس وأفقههم وأحرصهم على الخير والازدياد منه والمسارعة إليه. ومثل هذه التعليلات مما يبطل به ويشاغب به على السنن. فيقولون: (علة النهي كذا, فإذا زالت زال الحكم). فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وليس معنى استحباب المسارعة إلى القيام بعد السلام مطلقا بل يستثنى من ذلك أذكار المصلي لنفسه منفردا كما ورد في السنة وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. والإمام ينصرف بوجهه عن القبلة ويدعو لنفسه.
ـ قال ابن الحاج المالكي في المدخل (1/ 58/دار الفكر): (ثم (أي المصلي) ينوي الدعاء بعد الصلاة أيضا؛ لأنه من السنة أعني دعاء كل إنسان في سره لنفسه ولإخوانه دون جهر اللهم إلا أن يكون إماما ويريد أن يعلم المأمومين على ما قاله الشافعي رحمه الله فإذا رأى أنهم قد تعلموا سكت)
ـ و ذكر المقري في نفح الطيب (5/ 514) (أن لأبي سعيد ابن لب كتابة في مسألة الأدعية إثر الصلوات على الهيئة المعروفة، وقد رد عليه في هذا التأليف تلميذه أبو يحيى ابن عاصم الشهيد في تأليف نبيل انتصاراً لشيخه أبي إسحاق الشاطبي، رحم الله تعالى الجميع.)
وفي المعيار المعرب (1/ 286و282) رد لقاضي غرناطة أبي الحسن علي بن محمد بن الحسن النباهي على فتوى الكراهة أشار إليه المقري في أزهار الرياض (2/ 7) بقوله (وله رحمه الله بحث في مسألة الدعاء بعد الصلاة، رام فيه الرد على الشيخ الإمام أبي إسحاق الشاطبي، حسبما نقله صاحب المعيار) استدل فيه بالأحاديث الواردة في الذكر عقب الصلاة واستدل غيره بعمومات في فضل الدعاء كما قال ابن ناجي في شرح الرسالة: (استمر العمل عندنا بإفريقية على جواز ذلك, وكان بعض من لقيته ينصره بأن الدعاء ورد الحث عليه من حيث الجملة, فقال تعالى (ادعوني أستجب لكم) وقال (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم).
قال ابن الحاج المالكي في المدخل (1/ 58): (قد وردت أحاديث تدل على جواز الذكر والقراءة جهرا وجماعة فالجواب أن الأحاديث الواردة في ذلك محتملة للوجهين وجاء فعل السلف بأحدهما فلا شك أنه المرجوع إليه)
هذا شيء جمعته لنفسي لأنكر به على الجهلة من مالكية بلدي, ولعله يطلع عليه غيري من فضلاء المالكية في بلدي أو في غيره فينكر كما ننكر, أو متبع فيستعمله إذا أنكر. وآخر الدعوى أن الحمد لله رب العالمين.