تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولنضرب على ذلك مثلاً: فحين يدرس علم الاقتصاد موضوع (العمليات البنكية) من خلال مادة النقود والبنوك فإنه يدرسها بهدف تحقيق أكبر معدل تنافسي للعائد بصفتها أحد موارد التمويل وتوزيع الائتمان، أما علم القانون فحين يدرس هذه (العمليات البنكية) من خلال مادة القانون التجاري فليس معنياً بالبحث عن أنجع الوسائل لتعظيم الربح، ولكنه معني بدراسة الالتزامات والآثار الحقوقية الناشئة عن هذه العمليات عبر تحليل عناصر العقود والعلاقات بين العاقدين.

ويبرز أثر هذا الاختلاف جلياً في سائر الموضوعات المدروسة في العمليات البنكية بين العلمين، فمثلاً يدرس علم الاقتصاد عقد (الخزانة الحديدية) باعتباره أحد آليات تحقيق الأمان للعميل بما يستقطب المزيد من الأصول، بينما في دراسة فقهاء القانون لهذا العقد يذهب الجهد الأساسي لمناقشة تكييف هذا العقد: هل هو عقد وديعة باعتبار عنصر الحفظ؟ أم هو عقد إيجار باعتبار شراء المنفعة؟ أم هو عقد قرض باعتبار حرية التصرف؟

ويتضح للفقيه أن المدخل الذي يتناول علم القانون موضوعاته من خلاله أقرب إلى علم الفقه وأشبه ببينته المعرفية من المدخل الذي يسلكه علم الاقتصاد، بسبب تركيز علم القانون وإبرازه لذات العناصر والعلاقات التي يستهدفها علم الفقه، ولذا فهو أجدى وأكثر عائدة في تصوير العقود والوقائع المستجدة.

فالمفترض في فقهاء المعاملات المالية المعاصرة اليوم أن يتجاوزوا تلك الحساسيات التاريخية مع علم القانون، والتي نشأت في ظل مناخ من التوترات السياسية أججتها حالة الاحتجاج الشعبي ضد القسر الإمبريالي في تغريب التشريعات.

بمعنى أنه يجب على الفقهاء المعاصرين أن يعيدوا علم القانون إلى صورته الطبيعية المتوازنة من حيث كونه علماً وضعياً فيه ما يخدم الفقه الإسلامي، وفيه ما يتعارض معه، فما الذي يجعل علم الاقتصاد الوضعي ذا الصبغة الرأسمالية والمنشأ الغربي يجوز التواصل النقدي معه والتفاعل الإيجابي مع المختصين فيه، بينما يحرم هذا التواصل النقدي والتفاعل الإيجابي مع علم القانون الحديث؟ فواقع الأمر أن كلا هذين العلمين من حيث التصور الشرعي الطبيعي يقفان في ذات الخانة، وهي خانة (العلوم الوضعية) المرتبطة بالخبرة البشرية، والخاضعة للفحص الشرعي، فيؤخذ منها ويرد طبقاً للقاعدة العامة في الموقف من العلوم الوضعية، أي بحسب التوافق والتعارض مع أصول الشريعة.

وفي هذا السياق يجب أن نعترف وبمرارة أن علم (الاقتصاد الإسلامي) ابتعد كثيراً عن وظيفته الحقيقية، فبدلاً من أن يكون رجل الاقتصاد الإسلامي مشغولاً بالإبداع في دراسة وتحليل وتفسير ومعالجة علاقات الناتج القومي والإنفاق الحكومي، والسياسات النقدية، ومعدلات التضخم، واستراتيجيات إدارة الطلب، وقيود التجارة الدولية، واختناقات الائتمان الإسلامي، والحلول التمويلية، وسائر عناصر الظاهرة الاقتصادية في ظل الإطار الإسلامي، تحوّل كثير من الاقتصاديين الإسلاميين عن المشاركة الفعلية في جوهر علم الاقتصاد، وانشغلوا بدور فقهي يختلف تماماً عن دورهم الأساسي، وهو التصدر لـ (فتاوى المعاملات) مع تقديم خلاصات اقتصادية يسيرة على هامش فتاواهم يتم اختصارها من المصادر المدرسية الغربية.

وما لم يتم تدارك الأمر وفرز الحدود الفاصلة بين العلوم الإسلامية والتفريق الواضح بين الدور الاقتصادي والفقهي والقانوني فإن المجتمع المسلم سيظل يعاني من علاقة التبعية بالإبداع الاقتصادي الغربي، ومن أخطر انعكاسات هذه الصيغة من صيغ العلاقة الثقافية بالآخر تسلل الشلل الفكري إلى إمكانيات الإنتاج، والإصابة بعقم الإبداع، نتيجة الاعتماد على جاهزية المنتجات الغربية، وترسيخ عاهات الإنقماع النفسي في قلب الثقافة الاجتماعية.

وعلى أية حال فإن استقلال الإبداع لا يعني التوتر مع منتجات الحداثة الاقتصادية المعاصرة، ولا يعني أن يكون الفقيه مهجوساً بحمل النصوص والتعسف في تصويرها كنقيض للاقتصاد الغربي، ذلك أن القيام بأمانة البيان للناس وحمل رسالة الفقه الإسلامي النبيلة ليس مرتبطاً بمخالفة خبرات الإنسان، بل مرتبط بشكل أساس بتقديم أدق منظور فقهي يستوعب مراد الشارع ومقاصده العامة التي يحبها الله ويرضاها ويتغياها في أحكامه؛ كالعدل، والقيام بالقسط، ورعاية المصالح، ورفع الحرج، وإزالة الضرر، واعتبار العرف، وإظهار الدين ونحوها من الغايات الإلهية الشريفة.

ـ[الموسى]ــــــــ[20 - 09 - 07, 11:19 ص]ـ

بانتظار قراءة تعليقاتكم على المقالة ..

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[20 - 09 - 07, 12:21 م]ـ

يبدو لي أن المقال فيه خلط بين وظيفة (رجل الاقتصاد الإسلامي) و (فقيه المعاملات)، فهو يريدهما جميعا في رجل واحد، وهذا غير ممكن، أو بعيد على أفضل تقدير.

ورجال الاقتصاد الإسلامي موجودون، وليسوا دائما مشغولين بما ذكره من التفاصيل الفقهية.

ويصعب أن نطالب الفقيه المتخصص أن يستغرق وقته في دراسة الاقتصاد، وكذلك لا نطالب رجل الاقتصاد بأن يستغرق وقته في دراسة الفقه، وإنما الصواب أن تتألف لجان من هؤلاء وهؤلاء، وهو الحاصل الآن.

وهذا ليس مقصورا على الاقتصاد، فالفقيه يحتاج إلى رأي المتخصص واستشارته في المسائل العصرية في أي جانب، وهو أمر معمول به معروف عند الفقهاء من قديم، فلماذا هذه التهاويل التي نضعها دائما مفترضين أننا أمام تحديات معاصرة، و ( .... منظومة اقتصادية جديدة ذات منتجات متدفقة، وتبدلات متسارعة، وتحولات محمومة، وعلاقات مركبة ..... ) إلى آخر هذه العبارات الرنانة التي نصيبها الأكبر راجع إلى الهزيمة النفسية مضافا إليها ضعف الاطلاع على التراث الضخم الذي خلفه الأسلاف؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير