3 - ما روي عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ , قَالَ: (حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ) رواه الترمذي (852) وصححه ورواه أبو داوود (1545) و النسائي (2589) وابن ماجة (2897) والأمام أحمد (15595) و صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (930)
فلم يأمره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقضاء الحج عن أبيه وحسب ,بل أمره بقضاء العمرة أيضا (واعتمر) ولا يكون القضاء إلا لأمر واجب وليس ندب فدل على وجوب العمرة.
4 - حديث ابن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في سؤال جبريل إياه عن الإسلام، فقال: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأن تتم الوضوء، وتصوم رمضان، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم قال: «نعم» قال: صدقت) رواه ابن خزيمة في صحيحه (2829) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (175)
هنا قرن عليه الصلاة والسلام بين الحج والعمرة بل ذكرها ضمن أركان الإسلام و-هي ليست كذلك- لبيان أهميتها فدل على وجوب العمرة.
5 - عن عبد الله بن أبى بكر أن في الكتاب الذي كتبه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعمرو بن حزم (أن العمرة هي الحج الأصغر) رواه الشافعي في الأم (2/ 145) والطبراني في الكبير (8257) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (6083)
فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سمى العمرة حجا فدل على أنها نفس حكم الحج واجبة.
6 - عن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (إِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَرِيضَتَانِ لاَ يَضُرُّكَ بِأَيِّهِمَا بَدَأْتَ) رواه الدارقطني في سننه (2750) والحاكم في المستدرك (1683) وضعفه الألباني في الضعيفة (3520)
فهنا التصريح بالفرضية.
7 - وعللوا بأنها تشتمل على إحرام، وطواف، وسعي، فكانت واجبة كالحج.
مناقشة أدلة الفريق الثاني:-
1 - أما قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} قُرِئَتْ (وَالْعُمْرَةُ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ،اما قراءة الرفع فقرأ بعضهم: (والعمرة) بالرفع ووقف على قوله: (وأتموا الحج).فيكون المعنى ابْتِدَاءُ إخْبَارٍ أَنَّ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ وَالنَّوَافِلَ لِلَّهِ تَعَالَى , وأما قراءة النصب (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) أجيب عنها أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ، وَالْأَمْرُ إنَّمَا هُوَ بِالْإِتْمَامِ، وَالْإِتْمَامُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الشُّرُوعِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الِابْتِدَاءِ سُنَّةً, ومع اختلاف القراء لا تكون حجة، ولان الآية نزلت في أهل الحديبية وهم خرجوا محرمين بالعمرة، وأنها تصير واجبة بالشروع، ثم حصروا، فأوجب عليهم إتمام العمرة، بطريق القضاء، والحج بطريق الابتداء؛ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُضْطَرِبٌ فِيهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ، وَإِنَّمَا عُمْرَتُكُمْ طَوَافُكُمْ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا سَقَطَتْ بِالنَّفْلِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ الطَّوَافَ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ.
2 - أما حديث (حج عن أبيك واعتمر) ليس فيه حجة على وجوب العمرة لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَبِيهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ أَيْضًا، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ أَبَاهُ لَا يَسْتَطِيعُ، وَهُمَا لَا يَجِبَانِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَطِيعِ.
3 - أما حديث جبريل َرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِهِ الْمُخَرَّجِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ وَتَعْتَمِرَ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِيهَا شُذُوذٌ.
4 - أما حديث (الحج والعمرة فريضتان) قَالَ الْحَاكِمُ: (الصَّحِيحُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ) أ. ه , وَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ ضَعَّفُوه ,ُ قَالَ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَذَفْنَا حَدِيثَهُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مَوْقُوفًا وَهُوَ الصَّحِيحُ.نصب الراية (5/ 423)
الترجيح:-
بعد عرض المسألة والقولين وأدلة كل قول ومناقشته يتبين أن القول الثاني وهو قول الحنابلة والشافعية والظاهرية هو الراجح لقوة أدلته و صحتها ووضوح دلالتها و أنها ظاهر القرآن وقول أكثر الصحابة , وأما القول الأول فأغلب الأحاديث التي استدلوا بها ضعيفة , والباقي أدلة عامة مثل أركان الإسلام ومن أضعف الاستدلالات الاستدلال بالعموميات.
ومن لديه فائدة أو تعقيب أو ملاحظة فلا يبخل علينا
هذا والله أعلى وأعلم وصلي الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم