و قال [أبو عبيد]: في حديثه عليه السلام أنه نهى عن الإقعاء في الصلاة. قال أبو عبيدة: الإقعاء جلوس الرجل على أليتيه ناصباً فخذيه مثل إقعاء الكلب و السبع. قال أبو عبيد: و أما تفسير أصحاب الحديث فإنهم يجعلون الإقعاء أن يضع أليتيه على عَقِبَيه بين السجدتين و هذا عندي هو الحديث الذي فيه: " عَقِبُ الشيطان " الذي جاء فيه النهي عن النبي أو عن عمر أنه نهى عن عَقِب الشيطان.اهـ
و في " النهاية " لابن الأثير (3/ 526): و فيه [أنه نَهى عن عَقِب الشيطان في الصلاة] و في رواية [عن عُقْبَة الشيطان] هو أن يَضَع ألْيتيه على عَقِبَيه بين السَّجدَتين و هو الذي يجعَلُه بعضُ الناس الإقْعاءِ.اهـ و يعني بهم أصحاب الحديث و جمهور الفقهاء.
فالنهي ثابت سواء على تعريف المحدثين أو على تعريف أهل اللغة.
فإن قلت: قد روى مسلم و غيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الإقعاء: " هي سنة نبيّك صلى الله عليه و سلم "
و البيهقي بسند حسن - كما قال الشيخ الألباني رحمه الله - عن أبي الزبير: " أنه رآى عبد الله بن عمر إذا سجد حين يرفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه و يقول إنه من السنة ".
فالجواب: أن حديث ابن عمر بهذا اللفظ الذي حسنه الألباني رحمه الله منكر؛ لأنه من رواية: سعيد بن أبي هلال عن محمد بن عجلان، و كلاهما صدوق لا يُعتَمَد على ما ينفرد به، فكيف و قد اجتمعا معاً؟
و يرده ما رواه عبد الرزاق (3044) بإسناد صحيح عن المغيرة بن حكيم: " أنه رأى ابن عمر تربع في سجدتين من الصلاة على صدور قدميه، فذكر ذلك له، فقال: إنها ليست من سنة الصلاة، و لكني أفعل ذلك من أجل أني اشتكي ".اهـ
كما أن قوله " من السنة " لا يلزم منه أن يكون ذلك من سنة الصلاة، بدليل أنه لم يُذكر في أيّ حديث فيه صفة صلاته صلى الله عليه و سلم، مع ما في حديث بعض الصحابة من التفصيل الدقيق في الوصف.
فالحديث لا يدل إلا على أن ذلك قد وقع منه صلى الله عليه و سلم. و هذا الفعل قد عارضه ما هو أقوى منه و هو نهيه. و الجمع بينهما إما بحمل النهي على الكراهة، أو بترجيح السنة القولية على الفعلية كما هو مقرر في الأصول؛ فيحمل الفعل على حالة العذر. و يؤيد هذا ما رواه الإمام مالك في " موطإ محمد " برقم (154) عن المغيرة بن حكيم قال: رأيت ابن عمر يجلس على عقبيه بين السجدتين في الصلاة فذكرت له فقال: إنما فعلته منذ اشتكيت.اهـ
قال ابن عبد البر رحمه الله في " التمهيد " (16/ 275): أما عبدالله بن عمر فقد صح عنه أنه لم يكن يقعي إلا من أجل أنه كان يشتكي على ما في حديثنا المذكور في هذا الباب، و قال: " أنها ليست سنة الصلاة "، وحسبك بهذا. وقد جاء عنه أنه قال: " إن رجلي لا تحملاني ". ويمكن أن يكون الإقعاء من ابن الزبير كان أيضا لعذر؛ وقد ذكر حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر كان يقعي بعد ما كبر. وهذا يدل على أن ذلك كان منه لعذر (يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم)، ويمكن أن يكون ذلك من أجل أن اليهود كانوا قد فدعوا يديه ورجليه بخيبر فلم تعد كما كانت والله أعلم.اهـ
روى عبد الرزاق (3024) عن معمر قال: " سألت عطاء الخراساني وأيوب عن الرجل يقعي إذا رفع رأسه من المسجد- أي السجدة- حتى يسجد الأخرى؟ فقال أيوب: كان الحسن و ابن سيرين لا يقعيان. قال عطاء: كذلك كنا نسمع، حتى جاءنا أهل مكة بغير ذلك ".اهـ
و الخلاصة: فإن الإقعاء بصورتيه منهي عنه مكروه بالنص، سواء على تفسير أهل اللغة أو على تفسير أهل الحديث.
ـ[أبو زكريا الشافعي]ــــــــ[17 - 02 - 08, 05:33 م]ـ
أخي الكريم
الجواب عما نقلت موجود في مشاركتي الأولى فيما يظهر لي
والله أعلم