آيات الصيام جاء عقبها ذكرُ الدعاء {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186] قال بعض المفسرين: ((وفي هذه الآية إيماءٌ إلى أن الصائم مرجو الإجابة، وإلى أن شهر رمضان مرجوة دعواته، وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان)) [التحرير والتنوير 2/ 179] والله تعالى يغضب إذا لم يسأل قال النبي عليه الصلاة والسلام ((من لم يسأل الله يغضب عليه)) [رواه أحمد 2/ 442 والترمذي 3373].
الله تعالى أغنى وأكرم
مهما سأل العبد فالله يعطيه أكثر، عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر)) [رواه أحمد 3/ 18].
والدعاء يرد القضاء كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ((لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)) [رواه الترمذي وحسنه 2139 والحاكم وصححه 1/ 493]. وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: ((الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل فعليكم عباد الله بالدعاء)) [رواه أحمد 5/ 234 والحاكم 1/ 493] فالله تعالى أكثر إجابة، وأكثر عطاءً.
الذل لله تعالى حال الدعاء
إن الدعاء فيه ذلٌ وخضوع لله تعالى وانكسار وانطراح بين يديه، قال ابن رجب رحمه الله تعالى: وقد كان بعض الخائفين يجلس بالليل ساكناً مطرقاً برأسه ويمد يديه كحال السائل، وهذا من أبلغ صفات الذل وإظهار المسكنة والافتقار، ومن افتقار القلب في الدعاء، وانكساره لله عز وجل، واستشعاره شدة الفاقةِ، والحاجة لديه. وعلى قدر الحرقةِ والفاقةِ تكون إجابة الدعاء، قال الأوزاعي: كان يقال: أفضل الدعاء الإلحاح على الله والتضرع إليه)) [الخشوع في الصلاة ص72].
أيها الداعي: أحسن الظن بالله تعالى
والله تعالى يعطي عبده على قدر ظنه به؛ فإن ظن أن ربه غني كريم جواد، وأيقن بأنه تعالى لا يخيب من دعاه ورجاه، مع التزامه بآداب الدعاء أعطاء الله تعالى كل ما سأل وزيادة، ومن ظن بالله غير ذلك فبئس ما ظن، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني)) [رواه البخاري 7505 ومسلم 2675].
الدعاء في الرخاء من أسباب الإجابة
إذا أكثر العبدُ الدعاء في الرخاء فإنه مع ما يحصل له من الخير العاجل والآجل يكون أحرى بالإجابة إذا دعا في حال شدته من عبد لا يعرف الدعاء إلا في الشدائد. روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء)) [رواه الترمذي وحسنه 3282 والحاكم وصححه 1/ 544].
ومع أن الله تعالى خلق عبده ورزقه، وأنعم عليه وهو غني عنه؛ فإنه تعالى يستحي أن يرده خائباً إذا دعاه، وهذا غاية الكرم، والله تعالى أكرم الأكرمين.
روى سلمان رضي الله عنه فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حييٌّ كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خالتين)) [رواه أبو داود 1488والترمذي وحسنه 3556].
العبرة بالصلاح لا بالقوة
قد يوجد من لا يؤبه به لفقره وضعفه وذلته؛ لكنه عزيز على الله تعالى لا يرد له سؤالاً، ولا يخيب له دعوة، كالمذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم ((رب أشعث مدفوع ٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)) [رواه مسلم 2622].
أيها الداعي: لا تعجل
إن من الخطأ أن يترك المرء الدعاء؛ لأنه يرى أنه لم يستجب له ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي)) [رواه البخاري 6340 ومسلم 2735].
قال مُورِّقٌ العجلي: ((ما امتلأت غضباً قط، ولقد سألت الله حاجة منذ عشرين سنة فما شفعني فيها وما سئمت من الدعاء)) [نزهة الفضلاء ص 398].
¥