[مع أغلى كتاب (أفياء المشاهد 15)]
ـ[د. محمد ناجي مشرح]ــــــــ[04 - 03 - 04, 08:16 ص]ـ
المشهد الخامس عشر: يوسف والفَتَيَان*
دخل يوسف عليه السلام غياهب السجن فلم ينس مهمته الأولى في هذه الحياة؛ ألا إنها الدعوة إلى الله تعالى. والمشهد يتحدث عن يوسف عليه السلام وهو يستمع للسجينين يقصان عليه الرؤيا حتى أتماها ثم يبدأ يوسف بدعوتهما إلى الله تعالى بأسلوب تشع منه الحكمة ... ويثني بتعبير الرؤيا بعد أن ترك النص مجالا للذهن يسيح في أفيائه يتساءل ترى متى التقى يوسف بالسجينين ومتى قصا عليه الرؤيا وبخاصة إذا تبين لنا من خلال النص وصفهما له بالإحسان مما يدل على أنهما قد خالطاه وعرفاه من خلال عاملته الكريمة ...
قال تعالى - واصفا ذلك المشهد- {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)} ()
وينتهي المشهد وقد جنى منه المشاهدون عددا من الدروس التربوية منها:
1 - المدح الحلال
الأصل منع المدح للنفس لأنه ينافي الإخلاص، ولأنه يدخل تحت النهي الوارد في قوله تعالى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى (32)} () لكن إذا ظهرت مصلحة للدعوة إلى الله تعالى وأمن من المفسدة فإن المدح هنا مأمون ويؤدي نفعا، وقد دلت على ذلك أدلة منها هذه الآية الكريمة فقد مدح يوسف نفسه فيها، واحترز من حوله وقوته، وارجع العلم الذي يتمتع به إلى الله تعالى.
وقد كان يريد من وراء ذلك أن يكون مدخلا نفسيا لمن يدعوهما فلعلهما أن يهتديا إلى الحق الذي يدعوهم إليه. وقال عليه الصلاة والسلام {أنا سيد ولد آدم ولا فخر} ()
وقال عليه الصلاة والسلام {أنا النبي لاكذب أنا ابن عبد المطلب} ()
2 - اهتبال الفرص في إيصال الرسالة:
فإن يوسف عليه السلام اهتبل الفرصة ودعاهما إلى الله تعالى مع أن القضية التي كانوا يتحدثون عنها الرؤيا وتعبيرها ولكن يوسف عليه السلام الذي يعيش لله تعالى اضحت الدعوة هي شغله الشاغل؛ فلا يقر له قرار حتى يعلم أنه قد أدى ماعليه تجاهها.
3 - صعوبات الحياة لا تصرف عن توصيل القول ..
طبيعة الحياة لا يمكن أن تخلو من العقبات والمنغصات والهموم قلت أم كثرت صغرت أم كبرت، فإذا لم يكن المهتم بأمر الدعوة مثمنا لها مستشعرا بقدرها ومكانتها بين مهمات الحياة فإنه لا يقدر على مواصلة السير في مضمارها والخوض في غمار الحياة متجاوزا ماقد يعترضه فيها. ولهذا فإن يوسف عليه السلام مع مايعانيه من بعد عن الأهل و زجه في عالم العبودية وغيابة السجن فإنه لم يتخل عن الدعوة إلى الله تعالى بل بقيت مهمته الأولى.
واليوم يعاني الدعاة إلى الله تعالى حربا ضروسا على جميع الجبهات من قبل قوى الأرض المختلفة ومع هذا نجد من يصمد ويتجاوز تلك القوى التي ملأت السهل والجبل بفضل من الله تعالى ثم بما منح تلك النفوس من قوة عجيبة لاتفلها قوى الأرض المختلفة المشارب.
* أفياء المشاهد ... ، د. محمد بن ناجي مشرح
¥