تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مخالفة الألفاظ الواردة في تسوية الصفوف]

ـ[عبدالله الفاخري]ــــــــ[12 - 03 - 04, 01:07 ص]ـ

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

وبعد ..

فلقد رأيت بعض الإخوه-هداهم الله- أنكروا على إمام مسجد فاضل أنكروا عليه قوله عند تسوية الصفوف: "استووا يرحمكم الله"

فقالوا له كلمة" يرحمكم الله" لا أصل لها بل هي من البدع المحدثة ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى هجر هذا الإمام الفاضل.

ولقد راعني ذلك وأحزنني فكيف يصل الأمر إلى الهجر والقطيعة نتيجة لسبب كهذا وهذا ما دفعني إلى كتابة هذه الكلمات سائلا المولى أن ينفع بها وأن يؤلف بين قلوب المسلمين.

أولا: إن تسوية الصفوف سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة منها (سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة) رواه البخاري

ثانيا: وردت في تسوية الصفوف ألفاظ كثيرة منها ماهو عام بإمكان أي إمام قوله كالحديث السابق ومنها ماهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم كقوله" فإني أراكم من وراء ظهري" رواه البخاري.

ثالثا: هل يجوز الأمر بتسوية الصفوف بخلاف هذه الألفاظ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

هذا السؤال يدفعنا إلى عدد من الأسئلة منها ..

1 - هل يجوز رواية الحديث بالمعنى؟ وهل المراد بتسوية الصفوف التقيد باللفظ أم بالمعنى؟

2 - هل خالف الصحابة رضوان الله عليهم هذه الألفاظ؟

3 - هل يجوز الزيادة على الأوراد الشرعية؟

4 - هل هنالك من العلماء من ذكر ألفاظا غير الوارده في تسوية الصفوف؟

وأبدأ الآن بالإجابة عن هذه الأسئلة فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ..

أ- هل يجوز رواية الحديث بالمعنى؟ وهل المراد بتسوية الصفوف التقيد باللفظ أم بالمعنى؟

جمهور العلماء على جواز رواية الحديث بالمعنى – انظر الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي.

أما المراد من تسوية الصفوف فهو المعنى لا اللفظ ولذلك نرى جل رواة الحديث وجل فقهاء المسلمين يبوبون لتسوية الصفوف بقولهم باب الحث على تسوية الصفوف- وأمثال ذلك ..

ب- هل ورد عن الصحابة عدم التقيد بهذه الألفاظ في تسوية الصفوف؟

نعم. فقد كان بلال وعمر –رضي الله عنهما- يضربان الأقدام لتسوية الصفوف- راجع فتح الباري " باب إثم من لم يتم الصفوف". وكان عمر رضي الله عنه يوكل رجالا بإقامة الصفوف فلا يكبر حتى يخبر أن الصفوف قد استوت – رواه الترمذي – انظر نيل الأوطار للشوكاني- رحمه الله- باب" أن تكبير الإمام بعد تسوية الصفوف".

ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ضرب أحدا لتسوية الصفوف أو أوكل ذلك لأحد.

فقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم أن المقصود هو تسوية الصفوف لا التقيد باللفظ فقط وإلا لتقيدوا بهذه الألفاظ فقط فلسنا أحرص منهم على تطبيق السنة.

ج-هل تجوز الزيادة على الأذكار الشرعية؟

نعم يجوز ذلك. فالزّيادة في الذّكر المرتّب شرعاً على سببٍ، الأصل فيه الجواز عند الجمهور، ويتقيّد بقيودٍ، منها أن يكون صحيح المعنى لا يستلزم نقصًا بوجهٍ من الوجوه، وألاّ يكون ممّا علم أنّ الشّارع أراد المحافظة فيه على اللّفظ الوارد، فلا يزاد على ألفاظ الأذان وألفاظ التّشهّد ونحوهما، وأن يكون بمعنى ما ورد، وأن يكون ممّا يليق.

وقد نقل ابن علّان أنّ زيادات العلماء في القنوت ونحوه من الأذكار يكون الإتيان بها أولى، وفارق التّشهّد وغيره بأنّ العلماء فهموا أنّ المدار فيه على لفظه فلذا لم يزيدوا فيه، ورأوا أنّ الزّيادة فيه خلاف الأولى بخلاف القنوت فإنّهم فهموا أنّ للدّعاء تأثيراً عظيماً في الاستجابة فتوسّعوا في الدّعاء فيه.

وقد ورد أنّ ابن عمر رضي الله عنه كان يلبّي في الحجّ «بتلبية النّبيّ صلى الله عليه وسلم لبّيك اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنّعمة لك والملك لا شريك لك لا يزيد على ذلك» ثمّ كان ابن عمر يزيد فيها " لبّيك لبّيك وسعديك والخير بيديك لبّيك، والرّغباء إليك والعمل وفي روايةٍ: قال ابن عمر: كان عمر يهلّ بهذا «أي بتلبية النّبيّ صلى الله عليه وسلم، ويزيد: لبّيك وسعديك إلخ».

قال ابن حجرٍ: قال الطّحاويّ: قال قوم: لا بأس أن يزيد في التّلبية ما أحبّ من الذّكر للّه، وهو قول محمّدٍ والثّوريّ والأوزاعيّ. واحتجّوا بهذا المرويّ عن عمر وابنه.

وقال آخرون: لا ينبغي أن يزاد على ما علّمه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم النّاس، كما علّمهم التّكبير في الصّلاة فلا ينبغي أن يتعدّى في ذلك شيئًا ممّا علمه." انظر موسوعة الفقه المجلد21".

فإذا خالف الصحابة الألفاظ الواردة في التلبية- وهي واجب من واجبات الحج عند كثير من العلماء كالمالكية- وأجاز العلماء ذلك فكيف الحال مع تسوية الصفوف.

د- هل من العلماء من ذكر في تسوية الصفوف ألفاظا غير التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

نعم. فقد ورد عن بعض الأئمة قولهم " صلوا صلاة مودع " وهذ اللفظ لم يرد في تسوية الصفوف بل ورد في غير ذلك. كذلك قال شيخ الإسلام ابن قدامة- رحمه الله-" في كتاب المغني الجزء الثاني كتاب الصلاة": ويستحب للإمام تسوية الصفوف يلتفت عن يمينه , فيقول: استووا رحمكم الله وعن يساره كذلك.

خاتمة ..

في الختام أود أن أبين أن القصد من وراء كتابة هذا الموضوع ليس الدعوة إلى مخالفة الألفاظ الواردة- أعوذ بالله من ذلك- بل الأولى والأفضل هو الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله، ولكني أردت من ذلك أن يعلم بعض الإخوة أن الأمر واسع وأنه لا ينبغي هجر ولا تبديع ولا تجريح من خالف الألفاظ الواردة. وعلى كل أخ أن يتقي الله تعالى وأن يعمل بما يراه الأرجح أو بما رجحه بعض العلماء، ولكن لا ينبغي تبديع أو تعنيف من يرى رأيا رجحة بعض العلماء الإجلاء.

كذلك علينا أن نعلم أن هذه الأمور يحكم فيها بالإستحباب أو الكراهة. ولكن بعض الإخوة - سامحهم الله – لايتحدثون عن مسألة إلا قالوا: حلال أو حرام أو بدعة، فلننتبه لذلك.

والخير أردت والله ولي التوفيق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير