تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيجب على المسلم أن يتوجه بسؤاله لله وحده، لاسيما في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله، فمن طلبها من غير الله فقد أشرك مع الله غيره، كمن يدعو أصحاب القبور ونحوهم، قال تعالى:] وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَة [([133]).

أما سؤال الناس في الأمور التي يقدرون عليها، فقد وردت نصوص كثيرة تذم طلبها منهم، وتثني على المتعففين الذين لا يسألون الناس، قال تعالى:] لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [([134]).

وقد بايع النبي e جماعة من أصحابه عل ألا يسألوا الناس شيئاً منهم: أبو بكر الصديق، وأبو ذر، وثوبان، وكان أحدهم يسقط سوطه أو خطام ناقته فلا يسأل أحداً أن يناوله إياه (([135]).

وقد أجاد شيخ الإسلام ابن تيمية في تفصيل الحكم في هذه المسألة فقال: ((وتفصيل القول: أن مطلوب العبد إن كان في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاء دينه من غير جهة معينة، أو عافيته، أو عافية أهله، وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، أو غفران ذنبه، أو دخول الجنة، أو نجاته من النار، أو أن يتعلم القرآن والعلم، أو أن يصلح قلبه، ويحسن خلقه، ويزكي نفسه، وأمثال ذلك، فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى، ولا يجوز أن يقول لا لملك ولا نبي، ولا شيخ، سواء كان حياً أو ميتاً: اغفر ذنبي، ولا انصرني على عدوي، ولااشف مريضي، ولا عافني وعافي أهلي ودوابي، وما أشبه ذلك، ومن سأل ذلك مخلوقاً – كائناً من كان - فهو مشرك بربه، من جنس المشركين، الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل، التي يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه، وقال تعالى:] وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ [([136])، وقال تعالى:] اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [([137]).

وأما ما يقدر عليه العبد، ويجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض؛ فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة، وقد تكون منهياً عنها، وقال تعالى:] فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) [([138])، وأوصى النبي e ابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، وأوصى النبي e طائفة من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئاً، فكان أحدهم يسقط السوط من يده، فلا يقول لأحد: ناولني إياه…، ومن الأمر المشروع في الدعاء دعاء غائب لغائب؛ ولهذا أمرنا النبي e بالصلاة عليه، وطلب الوسيلة له، وأخبرنا بمالنا بذلك من الأجر إذا دعونا بذلك ([139]) … ويشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه، وممن هو دونه … لكن النبي e لما أمرنا بالصلاة عليه، وطلب الوسيلة له، ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشراً، وان من سأل الله له الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة، فكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك، وفرق بين من طلب من غيره شيئاً لمنفعة المطلوب منه، ومن يسأل غيره لحاجته إليه فقط)) ([140]).

وكيف يطلب من غير الله كشف الضر أو جلب النفع، وذلك كله بيده I، قال تعالى:] وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ [([141])، وقال سبحانه:] مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ [([142]).

والله I يحب أن يُسأل ويُرغب إليه في الحوائج، ويلح في سؤاله ودعائه، ويغضب على من لا يسأله، قال e: ( من لم يدْعُ الله سبحانه يغضب عليه) ([143]).، ويستدعي من عباده سؤاله، وهو قادر على إعطاء خلقه كلهم سؤلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء، والمخلوق بخلاف ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير