تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

((وكل هذه التقادير كالتفصيل في القدر السابق، وهو الأزلي الذي أمر الله تعالى القلم عند خلقه أن يكتبه في اللوح المحفوظ، وبذلك فسر ابن عمر وابن عباس y قوله تعالى:] إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [) [279])، وكل ذلك صادر عن علم الله الذي هو صفته تبارك وتعالى)) ([280]).

المبحث التاسع

في قوله e :( تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)

يعني أن العبد إذا اتقى الله وحفظ حدوده وراعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرف بذلك إلى الله، فعرفه ربه في الشدة، ورعى له تعرفه إليه في الرخاء، فنجاه من الشدائد بهذه المعرفة.

يذكر ابن رجب أن معرفة العبد لربه نوعان: ((أحدهما – المعرفة العامة، وهي معرفة الإقرار به والإيمان، وهذه عامة للمؤمنين.

والثاني - معرفة خاصة تقتضي ميل القلب إلى الله بالكلية، والانقطاع إليه)).

كما يذكر ابن رجب أن معرفة الله لعبده نوعان، أيضاً، هما: الأول: معرفة عامة، وهي علمه تعالى بعباده واطلاعه عليهم، قال تعالى:] هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُم [وقال تعالى:] وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [.

والثاني: معرفة خاصة، وهي تقتضي المحبة وإجابة الدعاء ونحو ذلك ([281]).

ويقول ابن علان (ت 1057 هـ): ((…، (تعرّف) بتشديد الراء: أي تحب (إلى الله في الرخاء) بالدأب في الطاعات، والإنفاق في وجوه القرب والمثوبات، حتى تكون متصفاً عنده بذلك، معروفاً به، (يعرفك في الشدة) بتفريجها عنك، وجعله لك من كل ضيق فرجاً، ومن كل هم مخرجاً، بواسطة ما سلف منك من ذلك التصرف)) ([282]).

والمراد بقوله e ( يعرفك في الشدة): أي المعرفة الخاصة التي تقتضي النصر والتأييد والقرب، قال e فيما يرويه عن ربه U: ( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) ([283]).

فمتى تعرّف العبد إلى الله في الرخاء المعرفة التامة الخاصة، وذلك بحرصه على إكمال إخلاص عبادته، وخضوعه لله تعالى، واتباعه لرسوله e، عرفه الله في كل وقت، وبخاصة في وقت الشدائد والكرب، فينصره الله ويؤيده، ويسدده في سمعه وبصره، ويده ورجله، ويعطيه سؤاله، ويعيذه ويحفظه.

يقول e : ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب؛ فليكثر الدعاء في الرخاء) ([284]).

ويونس u إنما نجاه الله بسبب ذكره الله في الرخاء، قال تعالى:] وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [([285]).

يقول الطبري: ((يقول تعالى ذكره: (فلولا أنه) يعني يونس كان من المصلين لله، قبل البلاء، الذي ابتلي به من العقوبة بالحبس في بطن الحوت، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ... ، ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء؛ فأنقذه ونجاه)) ([286])، وأشار إلى هذا القول ابن كثير بقوله: ((قيل لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء)) تم نسبه إلى بعض أهل العلم. ([287]) واستدل عليه بحديث ابن عباس ([288])، وقيل معناه لولا أنه سبح الله في بطن الحوت، وقال ما قال من التهليل والتسبيح، والتوبة إلى الله ([289]).

وفرعون كان طاغياً باغياً، فلما أدركه الغرق] قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِين [([290]) فقال الله تعالى له:] آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [([291])، أي أهذا الوقت تقول، وقد عصيت الله قبل هذا فيما بينك وبينه، وكنت من المفسدين في الأرض الذين أضلوا الناس، فهو سبحانه يبين أن هذا الإيمان في هذه الحالة غير نافع له ([292]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير