وهذا النوع من المعلومات الصرفية يتطلب استعمال الشكل التام (الحركات) ما يؤدي إلى كثير من التصحيف والتحريف حتى في وقتنا الحاضر التي تطورت فيه الطباعة بالحاسوب بله في ذلك العصر الذي كان يعتمد فيه النشر على النسخ اليدوي والنسّاخ الذين قد تعوزهم المعرفة المتخصصة ويرهقهم العمل ما يؤدي إلى اقترافهم الأخطاء الكثيرة.
وقد استخدم الرازي طريقة ذكية لاختصار المعلومات النحوية في صلب معجمه (مختار الصحاح)، وتساعد، في الوقت نفسه، على تجنب التصحيف والتحريف. وهي طريقة تستخدمها اليوم أحدث المعاجم الإنكليزية مثل معجم كمبرج ومعجم أكسفورد للمتعلمين، مع العلم أن الجوهري لم يستعمل تلك الطريقة في معجمه (الصحاح).
وخلاصة طريقة الرازي تلك أنه ذكر في المقدمة أبواب أو أنواع الأفعال الثلاثية الستة (فَعَلَ يفعُل، فعَل يفعِل، فعَل يفعَل، فعِل يفعَل، فعُل يفعُل، فعِل يفعِل)، ونصّ على موازين كل باب منها، وهي موازين يحفظها التلاميذ في المراحل التعليمية الأولى، مثل:
" الباب الأول ـ فعَل يفعُل، بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع، والمذكور منه سبعة موازين: نصر ينصر نصرا، دخل يدخل دخولا، كتب يكتب كتابة، ردّ يردّ ردّا، قال يقول قولا، عدا يعدو عدوا، سما يسمو سموا"
ثم أتى على بقية الأبواب وموازينها الشائعة، وذكر القواعد الصرفية التي تتحكم في بعض هذه الموازين. أما في صلب المعجم فإنه أخذ يحيل على هذه الموازين المذكورة في المقدمة، فلا يحتاج إلى ذكر الفعل المضارع، ولا تهجي المصدر، ولا تحديد حركة الحرف الأوسط من الماضي، ولا إيراد حركة عين المضارع. وكل ما يحتاجه هو النص على الباب الذي ينتمي إليه الفعل الماضي. مثلا:
"ح ل ل ـ (حَلّ) العقدة: فتحها (فانحلّت). وبابه ردّ. يقال: يا عاقد اذكر حلاً .. "
وعند ذلك يعرف القارئ أن تصريف الفعل الماضي (حلّ) مماثل لتصريف الفعل (ردّ) المنصوص عليه في مقدمة المعجم، وهو: حَلَّ يَحُلُّ حَلاً.
622ـ حذف الألفاظ العويصة والغريبة:
من المعروف أن الناس لا يستخدمون في أحاديثهم اليومية أكثر من ثلاثمائة كلمة، وهي التي اصطلح عليها بالمفردات الشائعة. أما أكبر الكتاب وأطولهم باعا في اللغة وأكثرهم اطلاعا على أوابدها وشواردها فإنه لا يستخدم في كتاباته أكثر من عشرة آلاف كلمة. ولهذا فإن المعجم الوجيز المخصص لعامة الناس من المثقفين لا تتضمن مداخله الكلمات النادرة التي لا يحتاجها مستعملوه عادة. ولذلك فإن الرازي أهمل عددا كبيرا من مداخل الصحاح ذات الألفاظ العويصة التي يصعب على الدارسين حفظها. وهذه إحدى وسائل الاختصار والتسهيل التي اتبعها وأعلن عنها في مقدمته بقوله: " واجتنبت فيه عويص اللغة وغريبها طلبا للاختصار وتسهيلا للحفظ".
وقد تكون المادة برمتها غريبة كما قد يكون أحد مشتقات المادة فقط غريبا. ففي الحالة الأولى يحذف الرازي تلك المادة. وفي الحالة الثانية يُبقي على المادة ويحذف المدخل الغريب فقط.
ومن الأمثلة على المادة الغريبة في الصحاح مادة (ب ج ر م):
" البَجارِم: الدواهي." التي حذفها الرازي،
ومادة (ج ح ل):
" الجُحال بالضم: السَمُّ. وأنشد الأحمر:
جرّعه الذَيْفانَ والجحالا
وأما الجُخالُ بالخاء فلم يعرفه أبو سعيد ... "
وأبو سعيد هذا هو أبو سعيد السيرافي شيخ الجوهري صاحب الصحاح. فإذا لم يعرفه أبو سعيد فما فائدته لعامة المثقفين؟ ولهذا تركه الرازي.
ومن الأمثلة على مداخل الصحاح العويصة الغريبة التي أهملها مختار الصحاح على الرغم من احتفاظه ببقية مداخل المادة، مدخل (طَباقاءُ) في مادة (ط ب ق):
" (طَبَاقَاءُ) ويقال: جملٌ طَباقاءُ، للذي لا يضرب.
والطَبَاقَاءُ من الرجال: العييُّ، قال جميل بن معمر:
طبقاءُ لم يشهد خصوما ولم يَقُدْ ركاباإلى أكوارها حين تعكفُ
ويروى "عَيَايَاءُ"، وهما بمعنىً "
623 ـ حذف المعاني العويصة والغريبة:
لا يقتصر الاختصار على حذف الألفاظ العويصة والغريبة فقط، وإنما يشمل كذلك حذف المعاني العويصة والغريبة لبعض الألفاظ. فقد يكون المدخل مشتركا لفظيا له عدة معان بعضها عويص غريب لا يحتاجه القارئ المثقف، فيعمد المعجمي إلى حذفه توخيا للاختصار.
ومن الأمثلة على ذلك مدخل (الرخمة) في مادة (ر خ م) التي أورد لها الصحاح معنيين هما:
¥