ـ[العزيز بالله]ــــــــ[17 - 12 - 02, 10:02 م]ـ
قلت بارك الله فيك: (لكنك تجد أن عامة المتأخرين قد تجكموا تحكما واضحاً في صياغة أنواع علوم الحديث وتحديدها، فظهر ما سُمي بـ (تطوير المصطلحات) و الذي نتج عنه (تحوير) لدلالاتها ولحدودها)
أقول: لاشك أن تحوير المصطلحات وتطويرها يوقع في اللبس ويسبب الاضطلااب والغموض، لكن دعني ألأفت نظرك إلى أمر مهم: وهو أنّ التقعيد ووضع الاصطلاحات في كل الفون يمر بمرحلتين: مرحلة الوضع والنظر والمواضعة وهذه المرحلة يقع فيها اضطراب بلا شك لأنّه مجهود بشري وقد يقصر نظر المصطلحين بحسب اطلاعه من جهة، وبحسب اختلاف الزاوية ولهذا تجد عند المصنفين القدماء تبايناً في توصيف بعض الأنواع.
لكن هذا التباين يزول في المرحلة التلية حيث يستقر الاصطلاح بعد أن مر بمحلة نقد وتردد.
وعلى هذا تجد أن المصنفات في علوم الحديث المتأخرة أكثر ضبطاً في هذا الجانب، والعمدة بما يستقر عليه منهج الاصطلاح.
وبعد اتفاق أصحاب علم معين على اصطلاحاتهم يصبح من الخطأ محاولة التجديد فيها أو التشكيك كذلك لأنّ في ذلك إحداث بلبلة علمية خطيرة قد تسبب التشكيك في العلم المعين جملة.
نعم إذا كان الاصطلاح يذهب بالمعنى بعيداً عن مقاصد الأقدمين ويسبب تحريفاً في الشريعة فهذا مرفوض وهذا ما لا أتصور أحداً يدعيه في حق علماء الحديث حتى المتأخرين منهم.
قلت بارك الله فيك: (فالحاصل أن هذه العلوم مأخوذة من مجموع كلام المتقدمين هذا لا غبار عليه نظرياً)
ثم تقول: (لكن عندما تمارس تجد حدوداً تكاد (تضلل) نظر الباحث عن مراد المتقدمين أو عامتهم، بحيث تصبح كَلا على علم الحديث لا وسيلة إليه)
أقول: في ظني أنّ هذا الكلام فيه مبالغة: فإذا أقررت أنّ هذه العلوم مأخوذة من مجموع كلام المتقدمين: فإني أستبعد أن يضل الباحث الممارس عن مراد المتقدم لسببين:
أولهما: أنّ الباحث المتمرس لا يحجز نفسه في إطار القاعدة ويجعلها تحكمه وتحجب رؤيته بل على العكس: الممارس المدقق تصبح القاعدة مرنة في يده تتوسع معه وتضيق بحسب اطلاعه على كلام الأقدمين وقدرته على فهمهم وإدراك مقاصدهم.
ثانيهما: أنّ تلك الحدود بمثابة الدليل المبدئي الّذي يعطيك التصور العام والقاعدة المشتركة، وأمّا النتيجة فمرهونة بالملكة:
مثاله: طالب الفقه الّذي يدرس متناً فيه اجتهادات عالم من أئمة الفقه: إذا كان هذا الطالب فقيه النفس استفاد من اجتهادات الشيخ في فهم المسألة، ولكن اجتهاده الخاص يبقى رهن نشاطه ونظره وقدراته الشخصية (بعد توفيق الله تعالى).
وأما إن كان مقتصداً: فسيكون هذا المتن نهايته وسيكون إطاراً وسياجاً يعيش فيه ويتحول إلى متن.
قلت بارك الله فيك: (وهناك أمر آخر في هذا الصدد جد مهم:
وهو أنهم يفرّعون على قواعد فروع نظرية جميلة سهلة الفهم، سهلة التطبيق فيما يُظن، حتى إذا حاولت تطبيقها - وربما تصورها - عمليا أعجزك ذلك، وهذه بعض الأمثلة:
- الحد بين الصحيح والحسن: هو عندهم اختلاف الضبط من تمامه في راوي الصحيح، إلى خِفته في راوي الحسن، فإذا أتيت تطبق لم يغن عنك هذا الكلام شيئاً، .. الخ).
أقول: في ظني أن هذا الكلام لا يُلاحظ شيئاً مهماً في التعبير العلمي: ذلك أنّ أصحاب الحديث حين ينصون على أن الحسن ما خف ضبط راويه إنّما ينظرون إليه من جانب الراوي وهو عمدة ومدار كل أنواع الحديث مهما ذهبت وجاءت:
وهم يريدون أن يبينوا أنّ الفرق بين الحسن والصحيح هو خفة الضبط، مع مراعاة الجوانب الأخرى.
كما لوقيل: إنّ الصلاة الصحيحة ما كان بطهارة، فإن ذلك لا يعني إهمال سائر الشروط والأركان.
والدليل على هذا أنّك بعد بحثك وتنقيبك ستوعد لتحكم على الحديث بأنّه حجة لكنه ليس في درجة عالية من الاحتجاج: أي أنه حسن لذاته، وكلمة ذاته توضح أن مقصودهم بتعريفهم للحسن هو في ذاته بغض النظر عن أمر خارج عنه يمكن أن يرقيه إلى الصحة لغيره أو إلى كونه ضعيفاً معلولاً.
¥