ما نُسب إلى الإمام الحافظ محمد بن أبي حاتم من أنه لا يرى أن حديث الصدوق حجة قول يحتاج إلى شيء من الإيضاح.
وذلك أنه ذكر مراتب الجرح والتعديل في ثلاثة مواضع من كتابه.
الموضع الأول والثاني في المجلد الأول الذي هو مقدمة لكتابه.
والموضع الثالث في خطبة الكتاب نفسه في أول المجلد الثاني.
وتقسيم ابن أبي حاتم لمراتب التعديل في الموضع الأول، وكذلك الثاني أكثر وضوحاً في بيان مراده.
حيث إنه جعل من يقبل حديثهم على أربع مراتب، الأولى والثانية والثالثة لمن يحتج بحديثهم، والرابعة لم يقبل حديثهم في الفضائل.
والمرتبة الأولى في هذا الموضع الأول وكذلك في الموضع الثاني للأئمة الحفاظ الأثبات.
والمرتبة الثانية للحفاظ الثقات، ثم قال عن المرتبة الثالثة:
(الصدوق في روايته، الورع في دينه، الثبت الذي يهم أحياناً، وقد قبله الجهابذة النقاد، فهذا يحتج بحديثه أيضاً).
وقال عن المرتبة الرابعة:
(الصدوق الورع المغفل، الغالب عليه الوهم والخطأ والسهو والغلط، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام).
والحاصل أن ابن أبي حاتم جعل حديث الصدوق في هذين الموضعين على قسمين:
القسم الأول: الصدوق في روايته الورع في دينه الذي يهم أحياناً، فهذا يحتج بحديثه.
القسم الثاني: الصدوق المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ.
فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام.
فإذا كان حديث الصدوق الموصوف بأنه مغفل الغالب عليه الوهم والخطأ فإنه يكتب من حديثه في الفضائل ولا يحتج به.
فما حكم حديث الصدوق الذي ليس كذلك، أو الذي يهم أحياناً بحيث لم يكثر الوهم في حديثه، ولم يكن غالباً عليه.
ظاهر كلام ابن أبي حاتم في هذا الموضع الأول من مقدمة كتابه وكذلك في الموضع الثاني من المقدمة: أنه يحتج بحديثه.
وبمقارنة ذلك في الموضع الثالث الذي هو في صدر المجلد الثاني:
(وإذا قيل إنه صدوق ... فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه).
نجد أن هذه العبارة مجملة، وكأنه فعل ذلك لما تقدم من تفصيل وبيان ضمن المقدمة.
بمعنى أنه ينظر في حديثه لمعرفة حال الراوي:
هل هو صدوق يهم أحياناً بحيث لم يكثر الوهم في حديثه ولم يغلب عليه فحديثه محتج به، أو هو صدوق مغفل الغالب عليه الوهم والخطأ فلا يحتج به.
ـ[ابن معين]ــــــــ[17 - 12 - 02, 04:34 م]ـ
الدليل الثالث:
قال الحافظ أبوأحمد بن عدي في خطبة كتابه الكامل في الضعفاء:
(وذاكر في كتابي هذا كل من ذكر بضرب من الضعف، ومن اختلف فيه فجرحه البعض وعدله البعض ... ولا يبقى من الرواة الذين لم أذكرهم إلا من هو ثقة أو صدوق).
فدل ذلك على أن حديث الصدوق محتج به عنده، لأنه لم يثبت في حقه ما يرد به.
الدليل الرابع:
الراوي العدل في نفسه الذي لم يفحش غلطه محتج به في الصحيح، ومن وصف بأنه (صدوق) لم يقل أحد _ فيما وقفت عليه من أقوال أهل العلم _ إنه من فحش غلطه.
وقد بين الإمام مسلم في مقدمة صحيحه الطبقة الأولى المحتج بهم في الصحيح بأنهم:
( ... أهل استقامة في الحديث واتقان لما نقلوا، لم يوجد في رواياتهم اختلاف شديد ولا تخليط فاحش).
أقول: من كان في مرتبة (صدوق) فإنه لم يوصف بالاختلاف الشديد في حديثه أو التخليط الفاحش.
وإنما هو عدل في نفسه خفّ ضبطه قليلاً عن درجة الثقة التام الضبط.
وهذه بعض الأمثلة ممن احتج بهم الشيخان ممن وصف بأنه (صدوق):
1_ بكر بن وائل بن داود التيمي الكوفي، احتج به مسلم، وقد قال عنه الذهبي: (صدوق).
2_ ثابت بن محمد الكوفي العابد، احتج به البخاري، وقال عنه الذهبي: (صدوق).
3_ حفص بن عبدالله السلمي، احتج به البخاري، وقال عنه ابن حجر: (صدوق).
الدليل الخامس:
قال الإمام البخاري في كتابه الجامع الصحيح:
(كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام).
قال ابن حجر في فتح الباري: (المراد بالاجازة _ جواز العمل به، والقول بأنه حجة).
وبما تقدم يتضح أن الراجح أن حديث الراوي الصدوق حجة، وأن الحافظ أبا عمرو بن الصلاح _ رحمه الله تعالى _ حصل منه في مقدمته في علوم الحديث أمران أراهما جديرين بالملاحظة:
¥